في عصر الأزمات الخانقة تزدهر التيارات الشعبوية...فاجتنبوها...لتجنب مصير قاتم…

Photo

وآخر مثال هو مشروع سياسي مستورد...تحت مسمى "عيش تونسي"...ووراء شعار مركزي نصه "نقضيو على الفوضى ونحطو البلاد على السكة"... هذا إلى جانب مشاريع نبيل وقيس وعبير...وكلها تحضيرا وفي علاقة بالإنتخابات المقبلة... ومن قبلهم كان غيرهم بمناسبة الإنتخابات السابقة…

فبعد الإطلاع على صفحة مشروع "عيش تونسي" ومشاهدة إعلاناته الاشهارية... وبعد الكتابة عن تحايله على القانون ومخالفته له، لأنه مشروع سياسي وانتخابي بأموال من الخارج ممنوع استخدامها في السياسة في تونس...ولكنه يعمل بدون رقيب...ولأنه ليس جمعية بل كيان سياسي... فانه لا يجب التغاضي عن محتوى خطابه وأهدافه...لأنه خطير…

في الكليب الاشهاري المتداول في الإعلام السمعي البصري، وفي الشعار المركزي...يركز المشرفون على المشروع على الحق في الأمن والأمان للمواطن...نظرا لتطور الجريمة في نظرهم (ليست هناك إحصائيات جدية في الموضوع)... وهو حصان طروادة تدخل به دائما التيارات الشعبوية لعقول الناس وعواطفهم...وان اقتضى الأمر يهولون منه...مركزين فقط على القمع والاستئصال والإبعاد...متجاهلين من ناحية أخرى المعالجات الإجتماعية والوقائية العلمية العصرية...

وذلك لأنهم يعلمون أن الحق في الأمن والأمان هو من أولى الحقوق التي يطالب بها المواطن حتى قبل الخبز...لما يشعر بعدم الطمأنينة على حياته... وهم يروجون ضمنيا أن الحرية والديمقراطية أتت بالفوضى...وأنهم هم الذين سيضعون البلاد على السكة!!...وبالطبع هذا يعني القضاء على "الفوضى" مهما كانت الوسائل ...وهي التعبيرة التي يتستر وراءها النظام الأمني...الذي مارسه بن علي مثلا...

هذا التركيز على الأمن والأمان...هو سمة من السمات الرئيسية لكل التيارات الشعبوبة في كل بلدان العالم التي توجد بها ديمقراطية تمثيلية.... وهو بالتبعية...يولد العنصرية والكراهية والدعوات لاضطهاد الآخر...لدى جزء من العامة.. بدعوى الدفاع عن مناعة الوطن...باللعب على المشاعر ...بهدف جر جزء من المواطنين الناخبين إليها…

وهو يتطور اليوم في أوروبا...مثل فرنسا وإيطاليا والعديد من بلدان أوروبا الشرقية... وكذلك في أمريكا مع ترامب...وفي أمريكا الجنوبية مثل البرازيل وكولومبيا.. الخ.. وفي آسيا مثل الفيليبين اين اذن الرئيس المنتخب بقتل المشتبه فيهم في الشوارع دون محاكمات... وفي تايلندا اين حصلت مجازر جماعية للمسلمين الروهنقا...الخ…

ولكن هذه المشاريع الشعبوية...غير شعبية بالمرة...بل إنها معادية للشعب ولمصالحه بكل المقاييس...وهي لا تخلف سوى الوبال لما تنتصر في الانتخابات... فهي تتظاهر بأنها مهتمة بمصير الشعب الذي يئن من الأزمة ..مثلا أنها تأخذ بيد المعوزين ...مثل موائد الإفطار وكأن وجبة يوم أو شهر تؤمن كرامة الإنسان طيلة السنة....

فتستغلها بدون أدنى احترام للكرامة الإنسانية للدعاية الإعلامية لمشروعها السياسي...لأخذ الناس بالتأثير على المشاعر...في حين أنه يجب احترام كرامة المواطن الذي هو في حالة عجز ولا التشهير به للعموم...ففي تقاليدنا الأخلاقية السمحة فمن يقوم بصدقة من واجبه ان "يستر ما استر ربي"... ودائما نجد وراء التيارات الشعبوية الأباطرة الكبار والمتنفذين في السلطة الذين يتحكمون في الإقتصاد والمال ولهم شبكات...يعني المسؤولين على الأزمة أنفسهم …

فيلتجؤون لهذه التيارات كاحتياطي سياسي للتداول على الحكم...لما تشتد الأزمات الإقتصادية...وتتقلص شعبية اليمين الحاكم بسبب العجز على مواجهة الأزمة بنفس السياسة الإقتصادية التي فرضوها على الطبقة السياسية الحاكمة...والتي يريدون مواصلتها…

والدليل على ذلك أن البرنامج الإقتصادي والاجتماعي للمشاريع الشعبوية إما ان يكون غير موجود حتى لا تفشى أوراقها امام الجماهير وخصومها...او إن وجد ففي قالب شعارات عامة دعائية دغمائية وغير جدية ولا يمكن ان تتحقق بتلك السياسات...وتكون دائما متدثرة بادعاء الدفاع عن الوطن والوحدة الوطنية ومحاربة الفساد والتسيب...الخ…

فما هو مثلا موقف "عيش تونسي" من اتفاقية الأليكا...ومن تعليمات صندوق النقد...ومن القطاع العام...وفي التغطية الإجتماعية...وصندوق التقاعد...والتعليم العمومي...ومنوال التنمية...إلخ ..؟فتش فلن تجد...والحال أنها هي المسائل المفصلية اليوم لمواجهة الأزمة...والتي يجب ان تتموحر حولها البرامج الإنتخابية…

وهذا ثابت أيضا مما يحصل اليوم في البلدان التي انتصرت فيها التيارات الشعبوية…فهي تواصل تطبيق نفس البرنامج الاقتصادي والاجتماعي الذي أدى للأزمة…وبأكثر شراسة…لأنها تواجه الاحتجاجات الاجتماعية الشرعية بمزيد من القمع والتنكيل…

ولا يهم الأشخاص الذين يحملون المشروع…فهم مجرد أدوات سياسية لإنجاحه عند الحاجة إليهم… فهؤلاء تصنعهم دائما أدوات الدعاية الإعلامية التي يهيمن عليها هؤلاء الأباطرة المتنفذين…وهي التي تصنع لهم شعبية أمام الجمهور…وبدونها لن يتعرف عليهم…ولن يعرفهم…

وبالتالي فلا يجب التعرض إلى شخوصهم…لان ذلك اعتداء غير مشروع على كرامتهم…علاوة على أن المسألة سياسية وموضوعية…ولأن المشاريع لا تقيم بالمحابات والعلاقات الشخصية ودرجة الصداقة أو بالنفور والكره الشخصي…

ومن شأن التعرض الشخصي أيضا زيادة على ذلك… أن يجعل من حاملي المشاريع الشعبوية ضحايا….مما يزيد من شعبية مشروعهم المتقمصة به شخوصهم… لأن المهم هو محتوى المشروع…وبرنامجه….ووسائله…ومصادر تمويله…والغرض منه…وهنا فقط تكمن المخاطر….التي يجب تعريتها وفضحها للناس…فهو واجب وطني…

ولا يمكنني أخيرا…إلا ان اعبر عن أسفي…على المسؤولين من الرفاق اليساريين الذين ينتقدون اليمين الحاكم…ويغضون الطرف ولا يهتمون بالمخاطر التي تشكلها على مستقبل البلاد هذه التيارات الشعبوية التي برزت في واقع اشتداد الأزمة…والحال أن ثقافتهم السياسية التاريخية والعالمية تؤهلهم وتوجب عليهم تنبيه الجماهير الشعبية لهذه المخاطر على مستقبلها…

وهاني زدت قلت…

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات