عدم إدراك تحول الشعبوية.. إلى شمولية ذي جوهر فاشي... خطأ مميت...(2)

خرافة "النواقص"...أو تعبيد الطريق للحكم الشمولي ذي الطبيعة الفاشية…

بعد اتفاقهم على الدستور...رجعت حليمة إلى دارها القديمة!! فقط اتضح لهم انه دستور ديمقراطيا...أكبر منهم...بعد عقود من الإستبداد تربوا فيها على الحكم الفردي...أو على عنعنعة تجارب ثورية شمولية انقرضت.. فرجعوا في الممارسة لسياسات تقودها نظرتهم الأصلية للدستور!! وكأنهم غير قادرين او رافضين التخلص منها...

فقبل تطبيقه وتفعيله...والتطبيق وحده يبين النواقص إن وجدت...شرعوا هنا وهناك يروجون أن الدستور فيه "نواقص" عديدة !! وفي أغلب الأحيان بدون ذكر في ماذا تتمثل وعلى الطريقة الهلامية.. ولا يزال البعض لحد اليوم يعنعن في مقولة "النواقص" الهلامية هذه...بدون الكشف عن اوراقه!!

وقد كان ذلك بالتشكيك فيه بمختلف الطرق... كل من جهته ومن أجل مصالحه السياسية...مدة قصيرة بعد اول انتخابات حصلت على أساسه...وقبل تفعيله!!

فهذا علاوة على انه نقض متعمد للعقد الإجتماعي...وخيانة للأمانة التي كلفوا بها من طرف الناخبين في ديمقراطية تمثيلية...فهو اعتداء على ذكاء الناس والذوق العام... فكيف لك يا هذا ومهما كنت ومهما كانت مسؤوليتك في الدولة... أن تدعي أن عقدا اجتماعيا توافقيا وديمقراطيا "بيه وعليه" وكذا وكذا..من هرطقاتك الدستورية المصلحية...؟ والحال انه لم يفعل بعد.. سوى في الجانب الإنتخابي الذي مكنك من تمثيل جزء من الناخبين لتصبح ممن "يقولون"...وخصوصا وانك تتعمد عرقلة تفعيله...أو في الأحسن لم تسعى لذلك..حتى تتبين ذلك في الواقع؟

شخصيا تابعت تلك النقاشات غير البريئة في تلك المدة...والمواقف المختلفة منشورة ولن تمحى...وسيتثبت فيها المؤرخون...واستخلصت على مستواي الشخصي أن من رضع من حكم الإستبداد...أو لم يكن من معارضيه من أجل نظام سياسي ديمقراطي ..فمن الصعب كثيرا أن يتغير!!!

وهو سلوك يبين أن من روجوا لهذا لا يعتبرون أن الدستور في العهد الحديث عقد اجتماعي... ولا يزالوا متأثرين بثقافة الاستبداد...ويسعون لما يلاءم الحاكم للحكم كما يراه.. فشنت الحملات في الإعلام لتبرير عدم تفعيله...وابتدأ ذلك منذ حكومة الحبيب الصيد.. فبدأوا بخرقه نصا وروحا منذ بداية التطبيق!!

فمن لا يعلم انه أرسى نظاما برلمانيا يختار فيه الحزب او الأغلبية في المجلس النيابي رئيس الحكومة..ومن المفروض ان يكون الرجل الأول في الحزب الأغلبي أو من قياداته الأولى على الأقل أو من يقع الاتفاق عليه من طرف الأغلبية في المجلس التي هي تحاسبه دون سواها.. كما هو الحال في الأنظمة البرلمانية..

لكن السيد الحبيب الصيد اختاره لهم رئيس الدولة الجديد!!...الذي لم يعد بمقتضى الدستور الجديد حتى مجرد عضو في نداء تونس!! فاختار لهم من خارج قيادات النداء احد معاونيه ومستشاريه الشخصيين وكان قد اختاره من قبل وزيرا للداخلية في حكومته المؤقتة إثر الثورة!!

ثم بعد سنتين أقاله واختار أيضا شخصا ظن انه يثق فيه...وهو يوسف الشاهد!! وقد وضعه من قبل وزارة التنمية المحلية..التابعة لوزارة الداخلية... غريب أمرهم.. فبعد ثورة حرية وكرامة...اغلب رؤساء الحكومات كانو مسؤولين في تلك الوزارة او عليها...في ظل ازمة اقتصادية واجتماعية متفاقمة..ههه …

وفي كل هذا كانت كتلة النداء بني وويست!! يؤيد نوابها ما يقرره السيد الرئيس المنزوع الصلاحيات بالدستور حتى لا يرجع الحكم الفردي... وهذا من روح الدستور...ومفرطين في صلاحيتهم التشريعية الأولى في تعيين رئيس الحكومة...وحتى في التفريق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية...وتصرفو وكأننا في نظام رئاسي..على الطريقة البورقيبية!!

وألم يقل المرحوم السبسي ذات مرة : "الدستور هذا موش آنا عملتو"؟

ولم ينتهي الأمر عند هذا الحد..

يتبع


عدم إدراك تحول الشعبوية.. إلى شمولية ذي جوهر فاشي... خطأ مميت...(3)

خرافة "النواقص"...أو تعبيد الطريق للحكم الشمولي ذي الطبيعة الفاشية…

لم ينتهي الحد عند التشكيك إعلاميا في الدستور بدعوى "نواقصه" قبل تفعيله وتطبيقه...وكان ذلك منذ انتصاب حكومة الحبيب الصيد المعين من طرف المرحوم الباجي قائد السبسي...والحال ان ذلك لم يكن من صلاحياته حسب دستور 2014..لكن كتلة النداء في المجلس النيابي وحلفاءها البني وويست...خرقو الدستور وتركو له المجال..

وكان ذلك لتبرير عدم تفعيل الدستور... مدة عامين كاملة طيلة حكومة الصيد..وكذلك من بعدها أيضا طيلة حكومة الشاهد... وللتذكير...وللتاريخ..وهذا يطمسه الكثير في "تحاليلهم" السياسوية ذات الطبيعة الخشبية...

قد تشكل آنذاك تحالف حكومي بين نداء تونس والوطني الحر وآفاق تونس بمساندة بعض المستقلين وكان يضم حوالي 120 نائبا...جميعهم يروجون في خطابهم انهم مع الدولة المدنية ودولة المواطنة والقانون وحقوق الإنسان وقيم الجمهورية... وهذا كان علاوة على التوافق الذي أبرمه السبسي مع الغنوشي في باريس أثناء إعتصام باردو…

وكان ذلك التحالف قادرا لوحده...لو كان فعلا يؤمن بما يروجه...على التصويت على القوانين الأساسية التي تفعل الدستور...والتي كان من واجب حكومة الصيد تقديمها....وهذا حتى في صورة رفض كتلة النهضة أو غيرها من الكتل لها...وهي فرضية لا غير... لكنهم لم يفعلوا طيلة عامين من عمر هذه الحكومة!!!

لم يفعلوا... رغم ان الدستور يلزم الحكومة والمجلس النيابي بإكراهات وآجال ووجوبية التنفيذ ...مثل تخصيص المحكمة العسكرية بالجرائم العسكرية فقط...والتي تتعلق بالجرائم أثناء آداء المهام العسكرية من طرف العسكريين دون سواهم....ولا تشمل حتى العسكريين في حياتهم المدنية ولا الأمنيين حتى أثناء قيامهم بمهامهم..وطبعا ايضا المدنيين..

والمعلوم انه حتى بن علي كان قد نقح المجلة العسكرية قبل الثورة بسنوات وهو الذي شرع إجمالا آنذاك هذا المفهوم للجريمة العسكرية.. وتخلت المحكمة العسكرية عن القضايا التي تخرج عنه لفائدة محاكم الحق العام…

لكن الحكومة المؤقتة للسبسي رجعت إلى ما كان عليه الأمر قبل تنقيح بن علي.. وأضافت درجة ثانية من التقاضي للقضاء العسكري (محاكم استئناف)...بدعوى محاكمة الأمنيين ومشاركيهم من المسؤولين السياسيين المدنين المتهمين بجرائم ضد شهداء وجرحى الثورة..وبدعوى تقاعسهم على المثول أمام القضاء المدني!!

ولم تسعى جديا تلك الحكومة التي كانت تخضع فعليا لرئيس دولة منزوع الصلاحيات التنفيذية الأساسية بمقتضى دستور ديمقراطي وضع للحيلولة دون رجوع الحكم الفردي... على بعث المحكمة الدستورية المستقلة عن بقية السلط..وخصوصا تلك السلطة التنفيذية التي مارست الحكم الفردي منذ الإستقلال وحتى الثورة..وكان الحاكم الفردي فيها صاحب الحل والعقد..واقترف الجرائم الكثيرة والخطيرة ضد حقوق المواطنين وحرياتهم وأرزاقهم..

فهل يعقل عندهم ان نضع للرئيس محكمة عليا توضح له صلاحياته وتبين له حدودها وعليه الإنصياع لقراراتها؟ فهذا لا يدخل في ثقافتهم السياسية الموروثة مما تربوا عليه قبل الثورة…

وكذلك فإنهم تباطؤوا قصدا في إرساء السلطة القضائية المنتخبة..بشراء الوقت بالتجاذبات السياسية حولها...واستغلال التناقضات الموجودة بالضرورة صلب قضاء كان وظيفيا قبل الثورة ويخضع للتعليمات ويتخلله الفساد بالضرورة وأصحاب الملفات كما هو الأمر في القطاعات التي لها سلطة على حقوق المواطنين لأن الفساد منظومة تنخر هياكل الدولة ومنغرسة وتتطور فيها وتتوسع منذ إرساء النظام السياسي الزبوني من طرف الحزب الحاكم غداة الإستقلال..

وكذلك بتعميق التناقضات القطاعية بين مختلف للمهن القضائية ...وهي صغيرة كصغر عقول من انغمسوا فيها.. أمام ضرورة إرساء سلطة قضائية مستقلة لأول مرة في تاريخ تونس... تحول دون رجوع الإستبداد على الجميع.... وخلفيتها صراع على النفوذ داخلها على حساب بقية المهن...والحال انه زائل...كما بينته الأحداث من بعد!!

ولكن وحتى بعد بعثها تحت ضغط المجتمع المدني...واصلو محاولات زرع الكولوارات في صلبها!! بمختلف الوسائل المعهودة زمن الإستبداد..من ذلك مثلا تعيين قضاة لدى السلطة التنفيذية...أو حماية البعض من بعض الملفات التي يمكن أن توجه لهم فيها تهم فساد...او ضغوطات "تحت حس مس"... لخ…

فعاشت هذه السلطة القضائية الجديدة المولودة منذ نشأتها صراعات داخلية...واتهمت حتى بالفساد...والحال أنها كانت مولودا جديدا فيه بالضرورة صراع داخلي بين القديم الفاسد والمتسلط...والجديد المدافع عن قضاء مستقل ومحايد ونظيف...وتطورها يكون بالتراكم ولا حسب مقولة... "كن فيكون"...فتلك لا يعنعنها سوى الدغمائيين..أو المتربصين من جهة أخرى...مثلما فعل المنقلب على مجلس القضاء الشرعي المنتخب!!

وهل يجب ان اذكر بان تلك الحكومة لم تسعى لإرساء الهيئات الدستورية المستقلة...المتعلقة بحقوق الإنسان والحوكمة الرشيدة والفساد والإعلام؟ فلا واحدة منها بعثوها طبق ما يقول الدستور الذي جعلها مستقلة عن الحكومة...بل تركو الهيئات التي وجدوها على حالها...طالما أنها تخضع بطريقة أو بأخرى حسب قوانينها... للحكومة!!!

وهل يجب ان أذكر ايضا انهم بعد التقاعس في تجديد المجالس البلدية...تجاهلوا اصلا... وجملة وتفصيلا....انتخابات المجالس الجهوية ...لتطبيق اللامركزية في مجال التنمية؟ فمنذ الاستقلال وضع بورقيبة نظام لا محوري (ويعني ان السلطة المركزية هي صاحبة الأمر والنهي في ما يتعلق بالتنمية الجهوية عن طريق التشريعات التي تقررها...ويطبقها ممثلوها في الجهات مثل الوالي والمعتمدين والمديرين الجهويين للوزارات) تحت غطاء لامركزية وهمية...

والحال ان اللامركزية الفعلية تعني هياكل جهوية منتخبة من المواطنين. لها صلاحيات وسلطة تقريرية حسبما يطالب به المواطنين أصحاب القرار في الانتخابات الدورية لتلك المجالس..وهياكل منتخبة مستقلة عن السلطة التنفيذية... وتخضع فقط في قراراتها لمراقبة القضاء..ولها موارد خاصة وقارة من الجباية الجهوية...علاوة على الاعتمادات السنوية التي يوفرها لها كل سنة قانون المالية لإنجاز المشاريع التنموية...والذي تقرره في الأخير السلطة التشريعية ولا السلطة التنفيذية..

فهل يعقل ان تفكر تلك الحكومة...وهي على ما عليه من عقلية موروثة عن الحكم الفردي..أن تفرط في جزء من صلاحياتها التنموية... لمجلس جهوي منتخب من المواطنين في جهاتهم مختصا في التنمية الجهوية؟ ثم وفي الصورة الإنجاز...أن يجني هذا المجلس شعبية انتخابية على حسابها؟

أو ان تفرط في جزء من سلطتها لهيئات دستورية مستقلة عنها في اختصاصات تعودت عليها للتحكم في المشهد السياسي...ولم تعد من مشمولياتها طبق دستور ديمقراطي؟ تلك الحكومة...كانت حكومة التأسيس للجمهورية الثانية الديمقراطية ذات البعد الإجتماعي...لكنها لم تفعل!!! وهذه المرحلة التأسيسية المفصلية يتغافل عنها الكثير ممن يدعون "تقييم" عشرية "الخراب"!!!

وأنا أقول....وكان ذلك لغرض في نفس يعقوب...فكانت الحكومة التي خربت تفعيل الدستور...والحال ان ذلك كان في طليعة برنامجها الحكومي...وفي استطاعتها القيام به بأغلبيتها البرلمانية...لو احترمت العقد الإجتماعي الذي أبرمه التونسيون بينهم.. وهذا لأنها لم تكن تؤمن به...وهوا ثابت من مداخلات رئيس الحكومة السيد الحبيب الصيد...والمرحوم الرئيس الباجي قايد السبسي... في الإعلام.....وسيسجله التاريخ عليهما…

فكم من مرة قالا أنهما بصدد تفعيل الدستور وبعث مؤسساته الدستورية وان المرحلة تقتضي ذلك....لتأسيس الجمهورية الثانية؟ ولو مرة! واحدة!! نيات...والو...وأي مواطن أو مواطنة...كان آنذاك مهتما بتفعيل الدستور لأنه مهتما بالشأن العام...لا يمكنه أن يجهل ذلك…

بل بالعكس…فقد كان المرحوم الباجي يغرد في خطبه على الطريقة البورقيبية… بأننا في عهده انتقلنا إلى مرحلة الاستقرار السياسيي بعد فترة الانتقال الديمقراطي!! وهذا رغم عدم وضع مؤسسات الجمهورية الثانية التي تضمن ذلك…ظنا منه ان مجرد وجوده على رأس السلطة التنفيذية يضمن ذلك!! ههه… فكان ومن معه…اول المعبدون للحكم الشمولي ذي الطبيعة الفاشية الحالي….

ومازال الخنار أثناء ذلك…وبعده…ومن طرف غيرهم أيضا…هههه

يتبع

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات