الحق النقابي للأمنيين... كليمات خفاف نظاف…

حذاري... في غياب نقابات أمنية تعمل من أجل تكريس أمن جمهوري وتؤمن بمقتضياته...فالخاسرون ثلاثة: المواطنون... وجمهور الأمنيين بوصفهم موظفين ومواطنين... والجمهورية الديمقراطية.. قي الأنظمة الديمقراطية...أعضاء الأجهزة الأمنية...بوصفهم موظفين...لهم الحق مثل غيرهم من الموظفين في الحق النقابي...للدفاع عن حقوقهم المادية والمعنوية... وذلك في إطار أمن جمهوري يلتزم بمقتضيات دولة القانون والمؤسسات...مثلهم مثل بقية فعاليات المجتمع المدني...

ويترتب عن هذا...ان النقابات الأمنية تكون سلطة مضادة...مثلها مثل بقية فعاليات المجتمع المدني...وإلى جانبها وبالتعاون معها....للحيلولة دون محاولات استغلال السلطة السياسية للجهاز الأمني لخرق مقتضيات دولة القانون والمؤسسات...وخصوصا بالإعتداء على الحقوق والحريات والتغطية على جرائم الفساد التي يقترفها المسؤولون في السلطة وأزلامهم وممولوهم المنتفعون من فسادهم.... لما تتحكم السلطة السياسية في المنظومة الأمنية "بالتعليمات"…

والحال أن التعليمات وضعت في جمهورية ديمقراطية لتطبيق القوانين واحترامها...وتسهر على ذلك السلطة التنفيذية.. التي تنفذ القوانين... تحت مراقبة سلطة قضائية مستقلة عنها... وتقتصر تلك التعليمات على حماية الأمن العام وأمن المواطنين والبلاد..

ولا تتمثل التعليمات في الإذن للمرؤوسين بخرق القوانين...لتنفيذ المصالح السياسية للسلطة الحاكمة...خارج المراقبة القضائية...أو للتغطية عليها... وهذا ما يحصل في الأنظمة الاستبدادية…

ففيها يمنع الحق النقابي للأمنيين مطلقا ...ويحجر التنظم النقابي للأمنيين… وتعتبرها تلك الأنظمة جريمة موجبة للفصل عن العمل والتتبع الجزائي… وذلك حتى تنفرد بالأجهزة الأمنية المختلفة خارج نطاق قانون مؤسس على قيم الجمهورية...اكثر مما تفعل مع الإدارة...وباقي مؤسسات الدولة...لأنها بدونها تخسر السلطة...

ولتستعمله لا فقط لفرض "أمن" يخدم مصالحها...ولا يخدم أمن المواطنين...وإنما أيضا كقوة مادية لحماية أمنها... بانتهاك حقوق وحريات خصومها السياسيين...وللتعسف على المواطنين لتحكمهم بالخوف من "الحاكم "...وللتحكم في باقي أجهزة الدولة...وعلى رأسها القضاء لتوظيفه لفائدة السلطة السياسية الحاكمة ولا لإقامة العدل ... وهذا ما كان الأمر عليه الأمر بالضبط عندنا زمن بن علي..

ولذلك... وإثر الثورة شجع الحقوقيون والأحزاب الديمقراطية الحق النقابي للأمنيين.. وكانت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان من اول من اتخذت موقفا علنيا واضحا في الموضوع... و دافعت عنه لدى السلط القائمة آنذاك... لكن التجربة تعثرت...كما تعثر الإنتقال الديمقراطي..

لقد تكونت عديد النقابات الأمنية مختلفة التوجهات والمشارب...بعضها حاول التمسك عموما بمقتضيات دولة القانون والمؤسسات... حسب مقتضيات الأمن الجمهوري..

حاولت.. لأنها لم تقم بدورها التوعوي المصيري بالنسبة لها في نشر ثقافة الأمن الجمهوري لدى منظوريها وواجب معاملة المواطنين طبقا للقانون ومن يخالف ذلك منظوريها واجبها التعامل معه كالمواطن الذي يخالف القانون... ولا يتجاوز المطالبة له بمحاكمة عادلة ولا الإفلات من العقاب....الخ..

كما سقطت أحيانا في القطاعية والتجاذبات السياسية ...من ذلك مثلا مطالبتها المتكررة بقانون "لحماية الأمنيين"... والحال ان القوانين والإجراءات الموروثة من عهد الإستبداد والتي تنظم العلاقة غير المتكافئة بين المواطنين والأمنيين لصالح الأخيرين... لا تزال اغلبها سارية المفعول... وتطبق يوميا على المواطنين... وخصوصا ضد الشباب !!! مثل تلك التهمة المجترة في الإعتداء بالقول على موظف اثناء مباشرته لمهامه التي عوضت التعذيب الذي كان يمارس على نطاق واسع زمن بن علي...وإجراءات البحث في اتجاه واحد ضد المواطن ولفائدة الزميل التي تتخلل ذلك النوع من الملفات. .. لحمل القاضي على إدانة المواطن في محاكمة تكون بالضرورة غير عادلة...

وكذلك فإنها قصرت كثيرا... لما لم تتباين علنا مع مواقف وممارسات الهياكل النقابية الأخرى التي لا تؤمن بمقتضيات الأمن الجمهوري... ولا بدولة القانون... فهذه الهياكل الآخرى لم تقدر أهمية هذا المكسب التاريخي الذي تحصلت عليه بفضل الثورة.. والأمنيون في تونس يمتازون به في المنطقة العربية…وهم يعلمون ذلك..

لكنهم تصرفوا على النقيض... في خلاف تام مع مقتضيات الأمن الجمهوري....ولم يتخلصوا من الممارسات التي كانو يتصرفون بها في دولة الاستبداد... ووصل الأمر بهم بعدم الإعتراف جملة وتفصيلا علنا بمقتضيات دولة القانون والمؤسسات التي تنطبق على الجميع... ومن ذلك الدفاع عن مصالح مشبوهة تعمل على فرض الإفلات من العقاب لمن يتجاوز القانون من الأمنيين ويعتدي على الحقوق والحريات …

تصرفوا بصفة غريبة كأمنيين في دولة استبداد... باستغلال آليات الدولة الديمقراطية!!.... ولا للدفاع عن منظوريهم من أجل محاكمة عادلة عند توجيه تهم لهم... ولا فقط لإفلاتهم من العقاب... بل لإفلاتهم من مجرد المسائلة القضائية!!!

ووصل الأمر احيانا ببعضهم للتهديد وهم الحاملين للسلاح ...مثل الضغط الميداني على قضاة التحقيق حتى لا يصدروا بطاقات الإيداع ضد متهمين في جرائم مشهود بها .... أو محاصرة محاكم أثناء العمل.. أو تنظيم غزوات ضد مختلفين معهم.... مرورا بإعلان رفض توفير الأمن والأمان للمواطنين بدعوى اختلافهم مع هذا أو ذاك من المسرحيين وتبرير قطع عروضهم وتهديدهم... الخ...

وهذا أضر كثيرا بالحق النقابي المكتسب للأمنيين بفضل الثورة... لدى العموم.... واصبحت تلك الممارسات هي التي تشكل البوز... وتعطي صورة سلبية جدا عن العمل النقابي للأمنيين برمته... في مخيلة الكثير من المواطنين !!!


• وبما ان الرئيس لا يؤمن بالاستحقاقات الديمقراطية…

• ولا بمكاسب الثورة…

• وبما انه وضع نفسه فوق الهياكل الدستورية..

• وبما انه لا يؤمن بدور الهياكل الوسيطة في الشأن العام... ولا في المجتمع....

• وبما انه أرسى حكما فرديا لا يقبل ان يشاركه فيه احد…

• وبما انه يعتمد في حكمه على أجهزة الدولة ومنها الأمنية....

وبما انه بين منذ انفراده بالسلطة انه ينتهج العمل بالتعليمات خارج نطاق القانون باستعمال الأجهزة مثل وضع معارضيه تحت الإقامة الجبرية، أو منعهم من التنقل والسفر او إحالة المدنيين على القضاء العسكري... إلخ..

وبما أنه يعارض َمعارضة شديدة كل مراقبة قضائية لسلطة قضائية مستقلة على اعماله... وبين ذلك بما لم يعد معه اي مجال للشك بعزل عشرات القضاة بدون وجه حق... ونُفذ ذلك بالإعتماد على تعليمات غير قانونية صادرة للجهاز الأمني لمنع القضاة المعنيين من الالتحاق بعملهم.... تنفيذا لقرارات هي من الناحية القانونية من قبيل المعدوم... بل وعمل على تفكيك السلطة القضائية على مراحل ...منذ أن انفرد بالحكم... للحيلولة مستقبلا دون اية رقابة على التعليمات، واعمال مأموريه…

وقد كان من قبل بمقتضى مثل تلك التعليمات غير القانونية أغلق مجلس النواب وهيئة مكافحة الفساد ومقر مجلس القضاء الشرعي المنتخب.. الخ. فكيف له ان يقبل بوجود نقابات أمنية تمارس الحق النقابي...ومن شأنها رفض تنفيذ هذا النوع من "التعليمات" التي تدوس على الحقوق والحريات؟ فهل يمكن ان ننسى انه بعد هروب بن علي.. وجد الأمنيون أنفسهم في الواجهة القضائية والمحاسبة.. لأنهم نفذوا تعليمات.. وتعليمات ازلامه غير القانونية؟

وهذا سيتكرر مرة أخرى لا محالة.. في صورة إعادة نفس التجربة الإستبدادية... ولا اخال الرئيس سعيد سيترك الفرصة تمر دون محاولة استغلالها.. وقد شرع في ذلك...لضرب العمل النقابي للأمنيين... بالتعلل بتلك التجاوزات التي قام بها بعض المتنطعين على دولة القانون... كما انقلب من قبل على الدستور لإرساء حكم فردي بتفكيك مؤسسات الدولة الديمقراطية المكتسبة بفضل الثورة... بالتعلل بحنق الناس على مجلس النواب ورئيسه وحكومة المشيشي…

فهذا التنطع هو الذي سيعطي الفرصة للإخشيدي للقضاء على الحق النقابي جملة وتفصيلا.. وقد بدأت النية تتوضح..

وبحيث.... ففي حقيقة الأمر والواقع... وفي المحصلة... فلن يتضرر من تلك القرارات الإخشيدية المتوقعة سوى جمهور الأمنيين.. والمواطنين برجوع امن "تعليماتي" لا يتقيد بالقانون في علاقة بهم ويده طليقة اكثر تجاههم...والجمهورية الديمقراطية..

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات