كل شيئ أصبح جائزا... لتبرير الإنقلاب على السلطة القضائية!!!

بقدر ما يستقل القضاء عن السلطة التنفيذية وعن رئيسها وأزلامه وعن مراكز النفوذ أكثر ...بقدر ما يكون قادرا على َمحاربة الفساد في المجتمع...وتنظيف نفسه بنفسه منه.... وبقدر ما تتقلص استقلالية السلطة القضائية.... بفعل تدخل مراكز النفوذ الفاسدة....وخصوصا تلك الكولوارات التي تزرعهم السلطة التنفيذية في الجسم القضائي... بقدر ما يعجز القضاء عن محاربة الفساد صلبها...وهذا ما يحصل في تونس منذ الثورة..

وطبعا إن لم يكن هناك سلطة قضائية مستقلة أصلا... كما يخطط له الرئيس المنقلب الآن... فسيعم الفساد والإستبداد اكثر في أجهزة الدولة... بما فيها القضاء... وفي المجتمع....وهذا ما سيحصل غدا إن نجح المنقلب في الإنقلاب على السلطة القضائية المكتسبة بالثورة... والمضمونة في الدستور المنقلب عليه..

انبه الجميع بهذه المسلمات... قبل الإنقلاب على المجلس الأعلى للقضاء....لأنه يجب التوضيح... وكل يختار موقعه... فإما ان تكون مع الحكم الفردي الإستبدادي... وهو دائما فاسد وغير شفاف ولو ادعى الطهورة... ويمنع فيه بعد استتباب أمره حق نقد الحاكم بأمره... وحق نقد الفساد في القضاء الموظف عنده... و يقع قمع القضاة النظاف والمستقلين والمطالبين باستقلال القضاء... وهذا عشناه مع بن علي... وهو موجود في كل بلد يحكمه مستبد الآن ومن قبل..

أو ان تكون مع الحكم الديمقراطي الشفاف... ولو كان هناك فساد في الدولة ومنها القضاء... ففيه فقط لك الحق في نقد كل السلط... و فسادها... والفاسدين فيها.. وهذا النقد المتواصل يتعرض له المجلس الأعلى للقضاء ممثل السلطة القضائية منذ تأسيسه... وهو شيئ صحي...ولا شي منه يوجد في نظام حكم فردي موظف للقضاء ويحمي الفاسدين فيه...وموظفه بهم…

فالمنقلب على الدستور... الذي لم تعد له شرعية دستورية اليوم... وإنما فقط مساندة جزء مهم من الرأي العام غالطه بخطابه الشعبوي الذي يدعي محاربة الفساد ...وهو لا محالة سيتقلص رويدا رويدا بفعل عجزه عن تحقيق مطالبه الإجتماعية...يخطط ويستطلع مدى قوة المعارضة لمشروع نسف المجلس الأعلى للقضاء بدعوى تنظيف المجتمع والقضاء من الفساد.. لوضعه تحت إبطه…

ورغم صدور الأمر عدد 117...الذي كشف جليا عما يحاول ستره منذ الإنقلاب على الدستور بدعوى تأويل الفصل 80 منه، ورغم استعمالاته لكولواراته التي زرعها في الجسم القضائي كمن سبقوه، لتصفية حساباته مع خصومه السياسيين ولا لمحاربة الفساد.. يواصل ثقفوت نظروت... أو أولائك الذين تأثروا بدمغجته.. أو أولائك المستعدين لقلب الرداء بمقابل...الإدعاء مثله انه يريد تطهير القضاء!!

وها انه يخطط لان تختار السلطة التنفيذية... يعني هو ومن ياتمرون بأوامره... الأعضاء الذين سينفذون تعليماته، لتتحكم في مصير سلطة أخرى يدعي انها ستبقى مستقلة بعد ذلك، إن فعل!! ... وهي ستكون شريكة له في هذا الإنقلاب على السلطة القضائية، مهما كانت، ومهما كانت المسوغات التي تتدثر بها..

لإنه ببساطة إرساء للحكم الفردي الدكتاتورية المطلق لا غير...ومشاركة في ذلك... ونقطة وارجع للسطر... والغريب ان يستشهد المنقلب على الدستور الذى أرسى التفريق بين السلطات لأول مرة في تاريخ تونس، بالفيلسوف مونتسكيو المنظر لضرورة هذا التفريق بين السلطات!! وذلك للتخلص من جور الحكم الفردي... لما يكون القضاء سلطة مستقلة عنه..

فهل انهم لا يفقهون في هذه البديهيات، ام انهم باعوا سيديجا ضمائرهم لحكم فردي بصدد التأسيس من جديد؟

وهل ان الدنيا أصبحت راسا على عقب.. بالمقلوب؟

و شخصيا أضيف... بحكم تجربتي في المحاماة التونسية...وبما اني لكم أكن أعيش في المريخ...وذلك لاكثر من ثلاثة عقود... وبوصفي حقوقي مطلع على العديد من التجارب الأخرى خارج تونس،... بأن القضاء في ظل حكم فردي دكتاتوري... هو قضاء فاسد بطبيعته.. وبكوارتو زادة.

ففي كل بلد من العالم، فيه حكم فردي، فيه فساد كبير، ويقمع فيه أحيانا بعض الفساد الصغير للإدعاء بأن هناك محاربة للفساد، أو تقع محاسبة بعض الفاسدين الكبار من طرف قضاة موظفين، وفقط لما يخرجون عن صف الحاكم الفردي ومنظومته الفاسدة.

فبحيث...إن حل المنقلب على الدستور المجلس الأعلى للقضاء المنتخب الحالي...يعين أعضاء جدد عوضا عن الأعضاء المنتخبين طبق القانون... فهو انقلاب على السلطة القضائية...وتتمة للإتقلاب الذي شرع فيه بالتعلل بالفصل 80, ثم بالأمر 117..

وكل من يشاركه في العملية...بدعوى المشاركة في إصلاح القضاء... وكل من يقبل بتعيينه في المجلس المنقلب.... هو مشارك في الإنقلاب.. علاوة على المشاركة في الإنقلاب على الدستور... وهو كذلك مشاركة في تدجين القضاء... لتوظيفه لغايات سياسية لصالح حاكم الأمر الواقع في قرطاج…

وفي كل الأحوال... فلن تقع محاربة الفساد بهذه الطريقة إطلاقا... بل سينخر الفساد اكثر هذا الجهاز... ولنا في تجربة عقود من الإستبداد خير دليل على ذلك.. وأكثر من ذلك... فمن كان يتجرأ الحديث على الفساد في القضاء وفي الطبقة الحاكمة زمن بن علي؟.. ومن من هولاء الحمقى الذين يتحدثون اليوم صباحا مساء ويوم الأحد.. وينشرون ويتهمون حتى بدون أدلة عن فساد في القضاء... ولدى المغضوب عليهم من المنقلب وأزلامه الذين يضغطون يوميا على القضاء لتصفية حساباتهم مع خصومهم؟

لا أحد منهم...ومن فعل زمن بن علي نال السجن وسوء المعاملة والتعذيب وكانو قلة قلية... ولن اذكر أسماءهم حتى لا اتجني على احد منهم بالسهو عنه..

هؤلاء الحمقى غير واعون اليوم، انه لو تمكن المنقلب غذا من كل القضاء، وتحكم في السلطة القضائية ...فلن يعد بوسعهم التحدث عن الفساد في القضاء... ولن يتجرأو على ذلك كما كان الأمر زمن بن علي... وحتى عن التلميح عنه..عندئذ سيركزون على ابداء الرأي في حالك الطقس وكرة القدم.

وسيختفي الحديث عن الفساد في القضاء في وسائل الإعلام وسائل الإتصال وتعم الصنصرة الذاتية...ويصبح الحديث عنه بالتشويش في الغرف المظلمة. لأنه عندئذ... سيوظف الحاكم الفردي القضاة المتهمين بالفساد والذي لديه عليهم ملفات... بالتعيينات في َ مفاصل الجهاز القضائي... لتنفيذ تعليماته التي لا يقبل بها قاض نظيف ومستقل عنه..وسيقمع بالضرورة القضاة النطاف وهم بطبيعتهم وبالضرورة المدافعون على استقلال القضاء... ودون سواهم..

وهذا اصبحا مكشوفا بالحملة المنظمة من قرطاج... وفي بعض الإعلام... وفي وسائل الإتصال في حسابات وصفحات حشدية بعضها فاسد وبكوارتو... ضد بعض القضاة يدافعون عن استقلال القضاء..

وبحيث... وملخر..

من يعرف بلد في العالم... فيه حاكم فردي... ورئيسها الشعبوي أسس خطابه وحملته الإنتخابية على محاربة الفساد... وليس فيها قضاء موظف لسياسة الرئيس ضد خصومه السياسيين ... ويغطي على الفساد الكبير الموالي للرئيس وفي خدمته؟ ....اسأله الاستسارة... ويرحم والديه إن دلني عليها.

وبحيث واخيرا ... تلك خرافة حكم القضاة...اعلمكم انها دعاية ممجوجة... وموجودة فقط في البلدان الديمقراطية...يعنعنها المدافعون عن المافيات لما يتسلط عليها قضاء يطبق القانون ومستقل عن كل الضغوطات السياسية الفاسدة....فلا يجدون من يتهمون من الخصوم لتحميلهم ما حصل لتلك المافيات َمن تتبعات واحكام وعقاب ناجز …

وهي طبعا محاولات للإفلات من العقاب...امام قضاء يتصرف كسلطة مستقلة ضد الفساد... عن بقية السلط وعن مراكز النفوذ في المجتمع.

ولكن مع الأسف، فلما يقع استعمالها في تونسنا اليوم بعد ثورة حرية وكرامة ... في غير موضعها وسياقها المجتمعي.. فإنه يصبح مكشوفا جدا جدا... أن كل شيئ أصبح جائزا... لتبرير الإنقلاب على السلطة القضائية!!!

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات