تذكير بمناسبة اضراب 17 جانفي... الوظيفة العمومية...هي الدولة

Photo

هي الدولة...وليست الحكومات المتغيرة...والهيئات المنتخبة الممثلة مثل مجلس النواب وغيره... فكلها وقتية...تشرف مرحليا على اجهزة الدولة وترحل...لما تخسر التفويض الشعبي...في الانتخابات..

هي الدولة لأن الموظف طيلة حياته المهنية...ومهما كان قطاعه (الإدارة بمختلف فروعها...والتعليم...والصحة...والفلاحة...والإدارات الجهوية والمحلية...والأمن والجيش والحماية المدنية والقضاء....الخ..)...هو الذي يؤمن يوميا وظائف الدولة دون سواه...لفائدة المواطنين ولمصلحتهم…

هي الدولة لأنه بدون وظيفة عمومية تحترم مبادىء دولة القانون والمؤسسات ...تصورو المشهد... مجتمع شبه بدائي...تتحكم فيه عصابات بالقوة المادية وقوة العنف ...وجرائم يومية مختلفة ضد المواطنين العزل ...ولا خدمات للمواطنين ...ولا أمن...ولا تعليم مضمون ...ولا صحة دنيا. ..ولا ضمان اجتماعي..ولا سهر على توفير المواد الأساسية للمواطنين...الخ... بما يعني حوت ياكل حوت وقليل الجهد يموت...كما كان الأمر في البوادي الوحشية…

الكثير منا لا يعي بأهمية هذه المسألة الحياتية اليومية والمستقبلية للمواطنين...لأننا نحن التونسيون أصبحت عندنا من تحصيل الحاصل...وتعودنا عليها…

او لا يعي بذلك بسبب تنظيرات ثورجية...تخلط بين أجهزة الدولة وبين الحزب أو الأحزاب السياسية الحاكمة المتمكنة من السلطة السياسية...وهم بهذا المنطق لا يختلفون عن القوى السياسية التي لا تؤمن بدولة القانون والمؤسسات الديمقراطية الذين يعملون على التمكن من اجهزة الدولة لما يصبحون في الحكم، او تلك التي لا تفرق بين سلطة الحكم والإدارة كما عانته تونس منذ الإستقلال…
ولنا في تونس تجربة عقود من واقعنا...فقد كنا جميعا نطالب بفصل الحزب الحاكم عن الدولة....فهل نسوا هذا المطلب؟

ولما نلقي نظرة على ما تعانيه شعوب أخرى...وعلى ما حولنا...يمكن ان نتأكد أكثر من ذلك...وأقرب مثال هو ليبيا اليوم... تونسنا يا اكارم لها دولة بموظفيها...وقد ثبت ذلك في أحداث الثورة... فلما هرع الكثير من السياسيين الحاكمين للمخابىء...بقيت الدولة....لان الموظفين العموميين كانو موجودين في عملهم...وهم الذين امنو استمرارية الدولة...ومصالح المواطنين والشعب…

اما السياسيون الحاكمون فهم لا يمثلون استمرارية الدولة...وهم يكذبون لما يدعون خلافه... فهم يعرفون انهم لا يقصدون الدولة...وإنما قرارات سياسية او مالية او اقتصادية...لمن سبقوهم في الوظائف السياسية...ألزمو بها الدولة...لما كانو في السلطة السياسية…

وطالما انها قرارات سياسية فإنه تجب محاسبتهم عليها لما تضر بمصالح البلاد والشعب ولما يتعللون باستمرارية الدولة فلحماية أنفسهم او لحماية بعضهم البعض...... وهو ما فعله مثلا السبسي بعد الثورة لما كان رئيس حكومة... فيما يتعلق بما شاب قرارات بن علي من فساد...أدت الى تفاقم المديونية والقروض الكريهة...فرفض التدقيق فيها بدعوى استمرارية الدولة...وهو رجل قانون لا يمكنه أن يجهل الفرق..الخ..)..

والتجربة مع هؤلاء بينت منذ الثورة أنهم متضامنون مع بعضعم البعض وباستمرارية الدولة لما يلتزمون تجاه القوى الخارجية ولصالحها... وأحسن مثال الديون الكريهة وتعليمات صندوق النقد وتعليمات الاتحاد الأوروبي…

وهم في نفس الوقت...لا يلتزمون بقرارات من سبقوهم في الحكم وحتى بقراراتهم وباستمرارية الدولة لما يتعلق الأمر باحترام اتفاقيات اجتماعية أمضوها مع اتحاد الشغل او مع المجتمع المدني لفاءدة شعبهم... وهذا ليس غريب لأنهم عملاء....

احتقار الوظيفة العمومية....هو احتقار للدولة الوطنية....ولا وطنية... إن كان ذلك بالإعتداء على حقوق منظوريها المادية والمعنوية...وبعدم الاهتمام بمقدرتهم الشرائية التي خسرو منها حولي 40 في المائة منذ الثورة…

او ان كان بالصلف بالادعاء انها تعطل النمو...او أنها عالة على المجتمع والحال ان العكس هو الصحيح...وان من يدعون ذلك هم العالة على المجتمع وهم الذين يمتصون دمه كالقراد الذي يمتص دمه... وهو تخل عن الدفاع عن مكونات الدولة...واعتداء سافر عليها....طالما انه اعتداء على منظوريها...خصوصا لما يكون القرار في يد من يشرف عليها مرحليا من السياسيين ...وهي خيانة أمانة…

واليوم يتأكد ذلك مرة أخرى.... ونحن نرى الاستهداف وما يحصل بتخطيط من قوى سياسية وبارونات فساد...لا يؤمنون بالدولة التونسية الوطنية…

ليست عندهم سوى أداة يجب استعبادها لتنفيذ سياسات عميلة للخارج...او لأنهم اصلا يعادونها لانها صمام امان للشعب ضد تنظيمهم العالمي.... او لانها العدو الأساسي لبارونات الفساد والإقتصاد الموازي المارقين عن دولة القانون والمؤسسات…

وهؤلاء جميعا يجب وضعهم في نفس الخندق...والمواقف التي نسمعها اليوم منهم والممارسات التي يقترفونها...بمناسبة إضراب 17 جانفي...تثبت هذا بما لا فيه أدنى شك…

ولا غرابة عندئذ أن تسمع اليوم من هؤلاء شعارات مثل "اتحاد الخراب" لأنه يدافع عن الموظفيين ودولتهم...وهو الذي كان طرف أساسي في تأسيس الدولة التونسية الوطنية الحديثة بعد الاستقلال....فسماتهم على وجوههم وفي ما تجيده أفواههم من اوساخ نتنة…

وهم ضد حسن أداء موظفي الدولة الذين هم من فصيلة البشر...لمهامهم...ولهم حاجيات أساسية يومية...يجب أن تتوفر لهم...حتى يتمكنو من آداء وظائفهم....

ومن جهة أخرى...فهو تشجيع ضمني على انتشار الفساد في صلبهم ...لأن كل محتاج يمكن ان يسقط فيه...لتوفير حاجياته المحروم منها رغم توفره على وظيفة لا تؤمن له سوى جزء من مستلزماته الحياتية…

وهذا يذكرني شخصيا بالفاسد بن علي الذي لما طالب الأمنيون بالزيادة في أجورهم، أجاب بأن ما يتحصلون عليه من رشوة وابتزاز للمواطنين يعوض الزيادات المطلوبة...وهو تشجيع على مزيد من الفساد واعتداء على كرامة الشرفاء منهم…

والواضح أنهم يفكرون مثله وسائرون دائما على خطأه..

ففي كل بلدان العالم...وهذا ليس خاص بنا...فكلما قل أجر الموظفين ارتفع منسوب الفساد في الإدارة وبالتالي في المجتمع...طالما ان الموظفين هم الدولة في كل بلاد العالم…

وفي تونس وخلافا لما يدعيه الشاهد والنهضة، فإن أجور الموظفين التونسيين في أسفل سلم البلدان المشابهة لتونس في درجة التنمية الاجتماعية والبشرية...وهو ما يفسر بدرجة مهمة هجرة الكفاءات المتكاثرة..وقد بين اتحاد الشغل هذا مرارا وتكرار…

كلما قلت أجور الموظفين....هي دعوة ضمنية من طرف السلطة السياسية لارتفاع منسوب الفساد ضمنهم...وهي قاعدة عامة لا يمكن ان يجهلها الشاهد الذي يدعي محاربة الفساد...ان كان يطالع تقارير المنظمات العالمية التي تحارب الفساد وتدعو للحوكمة الرشيدة...وان كان يجهلها فهو جاهل ولا يمكن له ان يكون حتى مجرد كاتب دولة لدى وزير...والانكى ان تجده يترأس حكومة ما بعد ثورة....

ولما يكون احتقار الوظيفة العمومية والاعتداء على حقوق منظوريها المادية والمعنوية بتعليمات من الخارج…ففي المنطق السياسي هو عمالة وخيانة وطنية…واعتداء على سيادة تونس…دولة وشعب…

أما بالمنطق القضائي…فهناك فصول بالمجلة الجنائية متعلقة بأمن الدولة…يمكن تفسيرها على أن ما يصدر عن افراد الحكومة ضد الدولة…يمكن ان يدخل في خانتها…لأن الفصول الجنائية في دولة لها دستور ديمقراطي تنطبق على كل المواطنيين مهما كانو …ومهما كانت وظيفتهم..ولو علت…

خصوصا ان غطوا على الفساد ورفضوا التدقيق في ديون كريهة، لأسباب ربما تكون جنائية، او اعتدو على الأمن الاقتصادي التونسي… وأعضاء الحكومة في الدستور التونسي لا يتمتعون بالحصانة…

فهل هم يسمعون بالأخبار الواردة علينا يوميا من البلدان التي تدافع عن اقتصادها، والتي يحال فيها على القضاء من يتجسس على اقتصاد بلدانها او من يخونون امنه؟

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات