دوعشة "يسراوية"

شخصنة الخلافات السياسية... والهجاء السياسي... وثقافة الموقع قبل الموقف...نتيجة حتمية لغياب الفكر الديمقراطي وقيم المواطنة والدولة المدنية... لدى بعض اليسار... من يشخصن الخلافات السياسية... مع رفاقهم ومع بقية القوى السياسية ...ومهما كانت مواقعهم وخلفياتهم...هم من تلك الثقافة السياسية....التي لا يمتاز بها جزء مهم من اليمين فقط.... ولكن كذلك جزء من اليسار....

وقد تعلموها عن بعضهم البعض... في المجتمع... وفي إطار خصوماتهم ضد بعضهم البعض... وبالنسبة لليساريين... فقد ترعرع الكثير في النقابات وفي المجتمع المدني وفي الحلقات والمنظمات والأحزاب السكتارية...أين يغيب احيانا تحيين الموقف....لمقارعة الرأي المخالف... فيتفوق الموقف الشعاراتي الهجائي الجاهز... واللهث وراء الموقع قبل الموقف المفيد …

فتقرا مثلا للبعض... وقد تكاثروا هذه الأيام ...وهم يعتقدون أنهن "ينظرون" لموقف سياسي... فيحشرون فيه الكثير من الكلمات الرنانة والطنانة...ولكنك لا تجده يناقش موقفا يختلف معه ويبين لماذا هو مختلف معه... ويشرح لماذا.. ويتناسى انه بالنسبة لليساري... السياسي هو المحدد لتفسير الواقع... ولطرح كيفية تغييره... والوسائل المعتمدة في ذلك...ولدحض الرأي المخالف لما لا يكون من شأنه تغيير الواقع عمليا ... ولا للمزايدة به على الآخر…

فتجده يتمحور حول شخص.. او مجموعة من الأشخاص وكأنهم هم الذين يحركون الصراع الطبقي في المجتمع لأنهم يحتلون مواقعا غير راضين عن وضعهم فيها... او ليطالبون ضمنيا بالموقع لأنفسم... أو يشخصون الصراع السياسي الإجتماعي ضد شخص ... يعني يجعلون منه التناقض الرئيسي في المجتمع...أو ضد أشخاص بعينهم... وكأن الاشخاص هي التي تحرك التاريخ!!!

وذلك لحقدهم الذاتي والطفولي عليهم...أو لأنهم جاوهم على عينهم العورة.

فيضعونهم في موقع المحرك للصراع السياسي والإجتماعي الطبقي... وهي نظرة بورجوازية صغيرة صبيانية وثورجية ... ودغمائية و شعبوية... في آخر التحليل... لأنها غير موضوعية . ولذلك تراهم اليوم مثلا... وغيره في مواضع أخرى من قبل. يضعون التناقض الرئيسي في المجتمع بين شخصين... المنقلب على دستور 2014 الديمقراطي والتقدمي وذي البعد الإجتماعي... وبين الغنوشي رئيس المجلس المنحل…

وطبعا هم منحازين مفرينين مقفيين للشعبوي المستبد المنقلب على الدستور... والذي يساعده بعضهم اليوم.. على تزوير الإرادة الشعبية في الإستفتاء المزور..

وتجدههم في إطار "تحاليلهم"... يتهجمون على الشخص وغيره من الأشخاص المختلفين معهم... في ذاتهم...وينسبون له ما فعله وما لم يفعله...ويستنتجون من كلامه ما يريدون ترويجه عنه... ولا ما قصده ذلك الشخص من كلامه...وخصوصا لا تجدهم يقدمون شيئا بديلا عما دافع عنه في إطار سياسته ...

هذا ان لم يضيفوا على كل هذا... القدح والشتم والقذف فيسقطون في الهجاء المبتذل ...وهي في عالمنا اليوم أساليب قذرة يمارسها الإعلام المتعفن وصحافة المجاري... تشبه المحاكمات الكنيسية القروسطية...أو المتدوعشة عندنا…

وكل من هؤلاء الذي يتراشقون بمثل هذه الكتابات الدنيئة .. يتحملون قسطا من المسؤولية الجسيمة....كل فيما يخصه... على مزيد تعميق أزمة تشتت اليسار الذي كان على عاتقه ان يتوحد على برنامج سياسي إثر الثورة.. لتحقيق أهداف الثورة...في إطار ديمقراطي مواطني وقيمي... وكل منهم له مسؤولية في فشل تحقيق الأهداف التي ناضل وضحى من أجلها اليسار طيلة عقود....

لأن هؤلاء رغم تشدقهم بأن المجتمع ينقسم إلى تحالفين طبقيين متناقضين... وان لكل طبقة وفئة اجتماعية مصالحها ولها تعبيراتها السياسية الخاصة بها...ينسون او يتناسون اشياء أساسية ... من إرث اليسار العالمي ...وهي اليوم أصبحت من البديهيات…

أن اليساريين يعتبرون ان في كل مجتمع توجد طبقات وفئات اجتماعية متناقضة المصالح... لها تعبيراتها السياسية المتمثلة في تيارات فكرية واحزاب تمثلها... تتصارع على السلطة لتحقيق مصالحها.. وانه في عصرنا الحاضر المتحضر ...وبعد أن تمكن بعض اليسار في القرن الماضي من الوصول للسلطة بثورة دموية... او عن طريق حرب شعبية... أصبح الصراع على السلطة في عصرنا الحديث يحصل حتى إثر ثورات شعبية... عن طريق انتخابات حرة ونزيهة وشفافية...تنافس فيها الأحزاب الممثلة للصالح المناقصة في المجتمع...وهذا ما عليه الأمر اليوم في كل البلدان..

وليس بالإنفراد بالسلطة... باتباع طرق الاستئصال من المجتمع.. بتصفية الأحزاب المعارضة من الخارطة السياسية... وتصفية مناضليها جسديا... او بزجهم في السجون وقطع ارزاقهم ... كما يفعل كل نَظام فاشستي مبتذل…

وطبعا كل من يدعي انه يساري ويشجع على ذلك... هو في قمة الإبتذال...لأنه لا علاقة له من قريب أو بعيد بمبادئ وأخلاق اليسار . وتلك المكاسب الديمقراطية والإنسانية تحققت أيضا بفضل ما قدمه اليسار من تضحيات جسيمة ... خلافا لما يروجه البعض من اهل الكهف من اليسار الذين ما زالو يعنعنون لليوم كالدواعش وصفات شمولية لقنت لهم عن طريق دعاية أنظمة يسارية انقرضت …

فالمطالبة بتلك الإنتخابات الحرة.. أصبحت في يومنا الحاضر من إرث اليسار العالمي... وقد ضحى من أجله آلاف المناضلين اليساريين في مختلف البلدان... قمعتهم الأنظمة الإستبدادية والشمولية والفاشية... إلى جانب كل الديمقراطيين الأحرار !!

وهذا كله بالطبع مؤسس... على الآعتراف بقيم المواطنة وقيم الجمهورية وحقوق الإنسان الكونية والشمولية...من حقوق مدنية وسياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وبيئية...وبالمساواة التامة بين الجنسين بدون تمييز....ودون تمييز بين المواطنين بسبب الإختلاف في الرأي والمعتقد والمنشأ واللون... كمكسب للإنسانية جمعاء.. وبالتالي وبالضرورة لكل الشعوب....

وهو ما كرسته الشرعة الدولية لحقوق الإنسان بعد الحرب العالمية الثانية ضد ممارسات الأنظمة المستبدة والشعبوية والفاشية.. . بفضل نضال الشعوب المحرومة من تلك الحقوق منذ انتظام الإنسانية في مجتمعات…

وقد كان لليساريين الديمقراطيين دور مهم في تلك النضالات الحقوقية في مختلف البلدان ومن بينها تونس منذ زمن بورقيبة ... إلي جانب بقية الشرائح السياسية الليبرالية النيرة التي تؤمن بالحرية وقيم المواطنة وقيم الجمهورية الحديثة...

هؤلاء الدغمائيين يجهلون او يتجاهلون... أن اليساريين كانو ولا يزالون تاريخيا في طليعة النضال السياسي من أجل الحرية في كل بلدان العالم... من أجل ممارسة الشعب لحقوقه المدنية والسياسية...التي يعمل اليمين عادة على حرمانه منها.. سوى بعض الشرائح السياسية الليبرالية منه..

ولذلك هم في طليعة النضال مع غيرهم... ضد الشعبوية والفاشية والإنقلابات التي تقترفها شرائح من اليمين للإنفراد بالسلطة على حساب بقية شرائح المجتمع ... لمزيد قمع واستغلال الطبقات والفئات الشعبية بيد من حديد....حتى لا تفلت منها الأمور ومقاليد السلطة…

ويتجاهلون او يجهلون من جهة أخرى.. انه في كل مرحلة تاريخية يحب ابرام تحالفات سياسية... ويجب أن تقام على اساس برنامج حكم لفائدة الطبقات والفئات المضطهدة والمهيمن عليها في المجتمع ...والتي يدعون صلفا الدفاع عن مصالحها…

فعوض العمل على إيجاد التحالفات الممكنة والواجبة بين من يدافعون على مصالحها...تراهم يخربونها... ويهدمون حتى التحالفات الممكنة بين من يدعون التمثيل السياسي للطبقة الواحدة!!! وذلك بدعوى تقييماتهم الذاتية للأطراف الأخرى... طارحين أنفسهم بصفة صبيانية وكأنهم حاملين للحقيقة النبوية... والمواقع الفرعونية الدنكوشوتية .

وكل ذلك للتظاهر كالديكة حول بضعة دجاجات...وسط غابة من الذئاب...أنهم يملكون الموقع والدجاجات... وليس الآخر المستهدف بالهجاء ...وهي غوغائية وطفيلية...وأعلى درجات السكتارية...

خسئت يا "منظر" يسراوي متدوعش... مهما كنت...

لما تدعي في العلم السياسي معرفة... وانت لا تفقه في هذه الأبجديات ...وأنت حتى المواقع التي تلهث ورائها... غنائمها ظرفية... لتصبح غدا. بالضرورة من سراب... كما أنت عليه بالنسبة لمن تدعى الدفاع عن مصالحهم.. أنت عديم المسؤولية ولك مسؤولية في مواصلة اليمين في الحكم...الذي انضاف له شكله الشعبوي المقيت هذه الأيام ....

انت مطرقة... بل ماصة هدم ولا بناء ...وأداة للتشتيت وشق الصفوف والتخريب.... انت كل ما تقوله في خط متواز مع المبادئ التي تدعي الإيمان بها...لأن ممارستك وأفعالك تنفيها…

انت حجرة عثرة في مسار تحقيق أهداف الثورة....وحتى لمجرد الحفاظ على المكاسب الديمقراطية لأوسع الفئات الشعبية التي تستحقها للدفاع عن مصالحها... أفلا تفقه ان الإستبداد والفاشية.. هدفهم الرئيسي منعها من الحريات للدفاع عن حقوقها.... التي تحتقرها ثورجيتك الطفيلية في المجتمع ؟

وبحيث.... لا عجب إذا... ان تجد من بين هؤلاء... من يدعو اليوم للتصويت بنعم لاستفتاء مزور.. على دستور حكم فردي مطلق... ينتهك قيم المواطنة وقيم الجمهورية والحريات والمساواة التامة بين الجنسين التي تتوق إليها كل الشعوب المضطهدة ... ويحدد فيه صاحبه وحده ما هي الشريعة الدينية التي ينزلها في التشريع... ويضرب فيه عرض الحائط بالدولة المدنية المضمونة في دستور الثورة…

وبحيث.... الجملة الثورجية... عمرها لا عملت يسار... وإنما خرطات تنظيروية في طاست امخاخ اصحابها من البورجوازية الصغيرة....

وهي أحيانا تسقط في الفارينة.. للمشاريع الشعبوية أو الشمولية أو الفاشية.. فتكون رجعية رجعية... وثورة مضادة...وهذا يبرز عادة في الأزمات المفصلية... بين القديم... وما قبل القديم... والجديد... كما هو الحال الآن في تونس…

يا والله أحوال !!!

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات