مناهضة النهضة... ام تبييض مشروع الدستوري الحر؟

هذا ليس حديث معهم بقيم الجمهورية الديمقراطية ومبادئها... فمن الواضح أنها لا تعنيهم او انهم يفتقرون إليها...بل عن مخاتلاتهم للناس...وخصوصا للشباب الذي لم يعايش مثل هذا الصراع... حول مدنية الدولة... بعض الثقفوت الحداثويون، وحتى ممن انتموا لليسار، أو يقولون انهم ينتمون له حاليا، وجدو هذه الأيام الفرصة سانحة فخرجوا بقوة، للدفاع عن ضرورة إسقاط النهضة من الحكم... بكل الوسائل... ولو بالاصطفاف وراء مشروع الحزب الدستوري الحر...مدعين في نفس الوقت بكل صفاقة انه الطرف الوحيد، أو الطرف الأهم الذي يدافع عن مدنية الدولة في وجه النهضة!!!

وهذه كذبة وقحة... وتزييف رخيص لتاريخ تونس بعد الثورة...وقبلها... واعتداء على كل هؤلاء الذين تجندوا للدفاع عن المشروع المجتمعي التونسي ضد المشروع الذي طرحته النهضة إثر الثورة والملخص في دستور الحبيب خذر…

وقد استغلت آنذاك علاقة القوة في المجلس التأسيسي بوصفها الحزب الذي انتصر في الانتخابات، لأنه الحزب الوحيد المنظم والمنغرس في البلاد.

ومنذ الثورة.... نجح هؤلاء في التصدي لذلك المشروع ولحد الآن!!! حتى أن النهضة تراجعت عن خطابها السياسي الدعوي المعلن إثر الثورة... مثل التراجع عن اطروحة الخليفة السادس...وعن مشروع دستور الشريعة المسمى على مقرره العام الحبيب خضر في إطار الحوار الوطني ولم تكن العبيريرة موجودة في ذلك الصراع.. ومثل الإدعاء بالفصل بين الدعوي والسياسي... والقول أن تونس دولة مدنية وهي قيمة أساسية تناساها دستور الحبيب المذكور...الخ... و القائمة طويلة...

هؤلاء الذين دافعو عن مدنية الدولة وحذفهم الكذابون من تاريخ تونس ما بعد الثورة بجرة قلم... هم وحدهم الذين دافعو على مدنية الدولة لحد الآن!!

وهم كل أطراف اليسار والاطراف الديمقراطية... وفعاليات المجتمع المدني الديمقراطي والنقابي وحراير تونس.... إضافة إلي حركية آلاف المناضلات والمناضلين المنتشرين في كل الميادين َوكل المواقع... والذين لم تكن معهم البلطاجية عبيريرة بن علي الزعيمة الجديدة لهؤلاء الكذابين... بل كانت في نفس الحزب الدستوري الحر الذي كان رئيسه آنذاك في تواصل وتوافق ضمني... مع النهضة!!!

هؤلاء على خلاف العبيريرة... وخلاف مسانديها... يؤمنون فعلا بمدنية الدولة وليس ظاهريا مثلهم.... المؤسسة على قيم الجمهورية الديمقراطية ودولة حقوق المواطنة المدنية ودولة القانون والمؤسسات الديمقراطية... ويناضلون يوميا من اجلها...وضحو طيلة العشرية المنقضية من أجلها... وسقط لهم شهداء... خصوصا من اليسار وهم بلعيد والبراهمي وبالمفتي والعجلاني، وتبعهم لطفي نقض من النداء الذي خان ذكراه فتحالف مع النهضة إثر الانتخابات... وكان الكثير من هؤلاء الكذابين في هذا التحالف !!!

هذا طبعا علاوة عما قدمته هيئة الدفاع عن الشهيدين بلعيد والبراهمي من عمل سيبقى في تاريخ تونس للأجيال القادمة وما توصلت اليه من نتائج ملموسة....والكثير من هؤلاء الذين جعلوا من العبيريرة زعيمتهم او يدعون للتحالف معها... لم يقف الي جانبها، بل هناك من منهم انتقد عملها…

الخ...والقائمة لا تزال طويلة جدا فيما فعله هؤلاء المناضلات والمناضلين طيلة العشرية المنقضية دفاعا على مدنية الدولة وحقوق المواطنة.... ولم تكن زعيمتهم العبيريرة طرفا فيها!!!

آما الكذبة الثانية... فهي ادعاءهم بأن العبيريرة تدافع عن مدنية الدولة!!! وأنهم لذلك يطلبون من اليسار مساندتها…

فعن اي مدنية يتحدثون؟

ألم يحتل الاستعمار بلداننا باسم المدنية والحضارة؟ ألا تدعي الصهيونية انها اسست نظاما مدنيا ديمقراطيا فوق ارض شعب فلسطيني متمدن تاريخه يرجع لآلاف السنين؟ ألم يقل بورقيبة انه لم يجد شعبا متمدنا ... بل غبارا من أفراد جعل منه شعبا... متعللا بوضع سكان المناطق الريفية التي همشها الاستعمار باغتصاب اراضيها الخصبة، فتركهم في الجوع والفقر المدقع والجهل؟

وهل كل من يدعي المدنية متمدنا؟

هل من المدنية ان لا تشهر العبيريرة بالتعذيب المنهجي كسياسة دولة.. الذي اقترفه بن علي ضد التونسيين إن كانو معارضين أو متهمين بجرائم حق عام؟ هل من المدنية ان تبرأ العبيريرة صانعها بن علي من جرائمه الجسيمة ضد الحقوق المدنية للشعب التونسي... حتى أنها لا تترحم على شهداء الثورة الذي انتزع منهم اول حق من الحقوق المدنية وهو الحق في الحياة؟

هل من المدنية ما تقترفه العبيريرة يوميا من بلطجة داخل قبة المجلس التشريعي وتشليك له بما يمثله من رمزية سيادية تاريخية ومكسب لما بعد الثورة...استشهد من أجله شهداء 9 أفريل....وما تقترفه من بلطجة خارجه... في صراعها على السلطة مع الإخوان؟

هل تفقهون في معنى الحقوق والواجبات المدنية.. حتى لا تفرقون بين المدنية... والبلطجة والهمجية؟ أم هل انكم تعتبرون أن هناك دولة مدنية بدون حقوق وواجبات مدنية؟ فحتى المستعمرون والصهاينة لا يقولون ذلك!!!

أما الكذبة الثالثة... فهي المخاتلة بالتخفي عن المشروع السياسي للدستوري الحر لو وصل للسلطة، أو التهرب من الحديث عنه بدعوى ان.. لكل حادث حديث...ههههههه قالك أعطينا انحيو النهضة اليوم.. وغدوة نشوفو...ههههههه..

لعبة كحلة حمرة هي؟ وباش باش تشوف يا جدع؟ بالفرق العسكرية متاعك المحصنة في الميادين؟ ولا اتدز فيها علينا وتخاتل في الناس؟ وانتي كتيبة خامسة؟ ففي السياسة... التكتيك بين خصمين ضد خصم مشترك... يفترض وجود بديل قوي لما بعد انجاز المهمة التكتيكية المشتركة .. والجماعة تعرف هذا...وليس لهم بديل…

ام هل انهم أغبياء لهذا الحد؟ لا أعتقد ذلك..

فالمثال المصري أمام أعينهم منذ سنوات عديدة... أين هلل الكثير لعسكري شعبوي فاشي ضد حكم المرشد كان فيه هامش مهم من الحريات بفضل الثورة، فلما تمكن العسكري من الحكم بزي مدني... لم يقضي فقط على الإخوان، بل أيضا على كل المعارضات السياسية لحكمه، بل أيضا على المجتمع المدني المستقل الذي كان موجودا قبل الثورة وساهم في إسقاط مبارك فتخلص منه، بل أيضا على الحقوق المدنية للشعب المصري...وزاد من تضخيم حكم العسكر في جهاز الدولة وفي المجتمع... على حساب كل ما يرمز لمدنية الدولة!!!

آما الكذبة الرابعة...فهي الإعداء بأن تونس بلغت درجة من الحرية لا يمكن للعبيريرة التراجع عنها لو شاءت... عجبا؟... إما انهم ينتمون إلى فصيلة الجهلوت او انهم يكذبون على الشعب وعلى التاريخ.. وانا لا أعتقد بالمرة انهم من فصيلة الجهلوت...بل من فصيلة تجهيل الشعب…

فعلاوة على المثال المصري المذكور... هناك مثالين تاريخيين مشهورين يتمثلان في ميسوليني وهتلر الذان أخذا السلطة عن طريق الإنتخابات في واقع أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية مستعصية... ليذهبا إلى اقصي الحدود في انتهاك الحقوق المدنية....

والآن حتى في أوروبا مثلا أين توجد تقاليد ديمقراطية عريقة، فإن العديد من البلدان من الاتحاد الأوروبي من أوروبا الشرقية فازت فيها الشعبوية في واقع ازمات واول ما فعلت في الحكم هو الاعتداء على الحقوق المدنية... أو أصبحت تهددها الشعبوية مثل فرنسا وإيطاليا...وحتي في أمريكا فإنهم لم يتخلصوا من ترامب الذي لا يؤمن بالحقوق المدنية، إلا بشق الأنفس وبعد محاولة انقلاب على نتيجة الانتخابات..

ويقولون ان في تونس....وهي لا تزال في السنة أولى ابتدائي في ممارسة الحرية... لا يمكن التراجع عن الحريات والحقوق المدنية المكتسبة من طرف العبيريرة!! ولكن المثل الكبير وجد عندنا... في تونس... فالتعلل بالدفاع عن مدنية الدولة ضد الإخوان... لإرساء حكم ينتهك الحقوق المدنية للمواطن التونسي مهما كان انتماءه السياسي او عدم انتماءه...حصل عندنا مع بن علي طيلة عقدين من الزمن!!!! والجماعة "ينظرون" وكأن شيئا لم يكن..يا بوڨلب...يا بوڨلب..

والكذبة الخامسة... إدعاء بعضهم ان العبيريرة... ليست فاشستية او حتى مستبدة صغيرة وتحن للحكم الفردي كما تفعل في حزبها... وانها تنتمي ضمنيا للعائلة الديمقراطية الواسعة!! وهم يتسترون بالضمنية لقول ذلك.... لأنهم لا يتجرؤون على قوله صراحة تخوفا من تكذيبها لهم... فمتى استعملت العبيريرة عبارة ديمقراطية كأحد أسس مشروعها؟ قط..

أما الكذبة السادسة...فقول بعضهم ان كل من لا يساند العبيريرة فهو مع النهضة!!! هكذا وبكل وقاحة... وفي حقيقة الأمر فإنهم يستعملون هذه الوقاحة لضعف الحجة عندهم كما في كل دعاية خشبية...وهم اول من يعلم ذلك ككل انتهازي يعرف ما يقول... فهم ليس لديهم سوى فكرة واحدة وهي ان عبير تواجه الإخوان إذا فيجب أن نكون معها (قطوس في شكارة... ههههههه )... ولإقناعك بذلك لا يحدثونك عن عبير ومشروعها السياسي...ويشرحونه للناس...واين يتقاطعون معها عدى كره ومعاداة الإخوان.. بل يحدثوك فقط عن الإخوان!!! وكأنهم اكتشفوهم اليوم...وشدو الصيد من وذنو... ههههههه

فيدوسون بالمناسبة علي الحق في الاختلاف، وعلى حرية التعبير، ويتبوؤن موقع السياسي الذي يعطي الدروس، ويتهجمون على شخص المخالف في الرأي ولا يناقشون موقفه ... ويحملون المختلف معهم مواقفا لم يعبر عنها، أو عبر عن نقيضها…

فيفوقون هكذا حتى ما تقوله في شأن مخالفيها في الرأي زعيمتهم الجديدة.. وهذه من الممارسات المعتادة للدعاية الخشبية في الأنظمة الاستبدادية ..

فمهما قلت في النهضة دفاعا عن مدنية الدولة والحقوق المدنية والسياسة... ومهما كتبت ضدها... ومهما صارعتها في الميادين... ومهما طالبت بإسقاط حكومة الترويكا ودستور الحبيب خذر... ومهما...ومهما...فعلت طيلة العشرية المنقضية ضد حكم النهضة... فأنت مع النهضة إذا لم تساند العبيريرة!!! هكذا بكل صفاقة!!!

في الحقيقة هم ليسو حمقى... فهم على بينة انه في ظل ميزان القوة السياسي الحالي، فإن إسقاط النهضة وتوابعها من السلطة لا يمثل مشروعا بديلا، وإنما التخلص من عدو مشترك... والأقوى في هذا الميزان في عذا الظرف، هو الذي يحل محلها...وهذا ما يذهبون إليه ضمنيا... وبعضهم حتى يقوله بصراحة!!! عوض وضع طاقتهم من أجل مشروع وطني ديمقراطي اجتماعي يقولون انهم من مريديه...

فالخلاف معهم ليس في أن النهضة في الحكم زادت من تخريب البلاد على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والمالية والسيادية منذ الثورة...فهذا الكل متفق عليه...ولم يكتشفوا لنا العجلة من جديد…

فحتى النهضة تقر به ضمنيا لما يقول رئيسها ان البلاد "في حاجة لحوار اجتماعي واقتصادي"، والحوارات في تونس تحصل دائما في الأزمات المستعصية.

فالخلاف معهم إذا يتمحور حول البديل... وليس حول النهضة وتوابعها وما يمثلونه!!!

وهنا تكمن الكذبة السابعة... وهي كذبة... بالستر عن بديلهم الحقيقي...فبديلهم هو: الدستور الحر... غريبة هاذي... طلعت كاينها السابع من نوفمبر... لووول... ههههههه... ومثل هذا الخلاف حصل من قبل في مرتين.... الثانية لما التحق من هم مثلهم بالنداء... والأولى قبلهم... لما التحق من مثلهم بالتجمع على أساس بيان 7نوفمبر الذي أعلن فيه بن علي انقلابه على بورقيبة... والأولى قبلهم... لما التحق من مثلهم بالتجمع على أساس بيان 7نوفمبر الذي أعلن فيه بن علي انقلابه على بورقيبة... فلما التحق من مثلهم من قبلهم بالنداء... انتهت التجربة بمأساة شاهدناها وعايشناها كلنا يوميا على المباشر.... ومن سبقوهم بالثورة... أما التحاقهم الآن بالعبيريرة فسيكون لا محالة في شكل مهزلة...

يبقى ان المكاسب الديمقراطية في خطر...في واقع الأزمة المستعصية التي تمر بها البلاد حاليا...والاخطار المحدقة بها متنوعة المشارب السياسية... والدفاع عنها ضد كل من يدوسها او يخطط لذلك من نهضة وتوابعها، وعبيريرة وتوابعها، أو أي مستبد آخر.... هو كما كان الأمر منذ الثورة.... من مهام وواجبات كل من يؤمن بتونس الحرية والديمقراطية، تونس الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والثقافية،تونس الدولة المدنية الحديثة...

أما المشروع الوطني الديمقراطي الإجتماعي في تونس تلك، فهو لم يعد من شانهم...لانهم اختاروا موقعهم بإرادتهم...ولم ينزعه عنهم أحدا... فبعضهم التحق سيديجا سياسيا بالعبيريرة... والبعض الآخر وضع نفسه في منصة الإقلاع لتلك البؤرة المناهضة للمدنية... ولكنها ترفضهم تنظيما... وهذا ما سيجعل من مهزلتهم...مهزلة المهازل…

شفنا كل شيئ بعد الثورة.... حتى الفارينة بالمجان...

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات