ما استفزني اليوم أكثر... في جلسة مجلس البني القاعدي بمناسبة نقاش ميزانية وزارة العدل.. أمر خطير.. يتعلق بانتهاك قرينة البراءة على نطاق واسع....وتجاهل نص وروح القانون المتعلق بالإيقاف التحفظي...واستعماله على طريقة الصيد بالكركارة.. ضد آلاف المواطنين المغموربن..
وهذا يعطي صورة واقعية حقيقية أخرى عن الإستبداد على الشعب ، بوسيلة حكم استئصالية.... باستعمال النظام القضائي للبني القاعدي.. وهو موضوع لا يسلط الضوء عليه كما يجب.. او انه مسكوت عنه في الإعلام وفي وسائل التواصل الاجتماعي ولدى الأطراف السياسية وحتى المجتمع المدني.. على خلاف مختلف الانتهاكات الأخرى التي يتداولها الكثير في تلك الوسائل..
فقد جاء هذا في مداخلة السيد محمد علي المنتني لحركة الشعب أثناء مناقشة ميزانية وزارة العدل بمجلس النواب المنشورة في العديد من الحسابات والصفحات مايلي:
"الوضعية الكارثية في السجون التونسية لم يعد يُحتمل.
إذ تفيد الإحصائيات أن عدد السجناء بلغ أكثر من 32.000 سجينا أي بزيادة قدرها 10 آلاف سجينا مقارنة بفترة 2018 - 2021 في حين أن طاقة استيعاب السجون التونسية في حدود 18.000 سجين وبالتالي هناك 12 ألف سجين دون فراش أي تقريبا بمعدل اكتظاظ يقارب 140%.وفي بعض السجون مثل المرناقية وصفاقس، تصل نسبة الاكتظاظ إلى حدود 180%.
كما أن نحو 50% من السجناء موقوفون تحفظيًا، أي لم تصدر بحقهم أحكام نهائية بعد، وهو ما يشكل خرقا لمبدأ قرينة البراءة.
و الوضع الصحي كارثي طبيب واحد لكل حوالي 800 سجين، ونقص حاد في الأدوية والمراقبة النفسية، وارتفاع حالات الانتحار ومحاولاته إلى 12 حالة خلال سنة 2024.
لقد تحول السجن في تونس إلى فضاء للعقاب الجسدي والمعاناة بدل الإصلاح وإعادة الإدماج؟
السيدة الوزيرة،
ملف الوفيات المسترابة داخل المؤسسات السجنية.
وفق المعطيات الحقوقية، سُجّلت خلال سنتي 2023 و2024 كثير من حالات الوفاة الغامضة في ظروف ملتبسة، دون نشر نتائج تشريح أو تحقيق قضائي شفاف.
في أغلب الحالات، تكتفي الإدارة العامة للسجون ببلاغ مقتضب، دون توضيح الأسباب أو تحميل المسؤوليات.
الدستور ينص على أن "الحق في الحياة مقدس"
فأين هي قدسية هذا الحق حين يموت المواطن في السجن دون محاسبة ولا كشف للحقيقة وتحميل المسؤولية ؟"
فبحيث…وفي تحصل…
لقد صرح هذا النائب أن منذ 2021، أي سنة الإنقلاب على دستور الثورة الديمقراطي .. ازداد عدد المساجين بعشرة آلاف.. يا بوقلب !! حتى بلغ اليوم أكثر من 32 ألف في سجون كانت مكتظة قبل ذلك التاريخ!! والخطير أكثر… أن حوالي نصف المساجين.. موقوفين تحفظيا!!
ويعني أن هذا الكم المهول من المواطنين لم يتمتعوا بقرينة البراءة…ووقع اعتقالهم بصفة اعتباطية خلافا لنص وروح القانون الذي يقول أن الإيقاف التحفظي وسيلة استثنائية!! وهذا لأنه لا النيابة ولا قاضي التحقيق من يحكم بالسجن.. بل المحكمة التي تقضي بذلك إن قررت الإدانة وليس عدم سماع الدعوى…
وحتى في صورة الحكم بالإدانة فالقانون أوكل لها دون سواها الحكم بالسجن… أو بالسجن مع تأجيل التنفيذ… أو بالخطية… أو بعقوبات بديلة لفائدة المصلحة العامة..
في كل بلدان الاستبداد، هناك قاعدة مشهورة لدى أهل الإختصاص … تقول انه عندما يتولى الأمن تقديم مشتبه به موقوف للعدالة (في حالة احتفاظ لضرورة البحث معه) ، تتولى النيابة او قاضي التحقيق إصدار بطاقة إيداع في حقه بصفة شبه اوتوماتيمية،… حتى لا يقع اتهامهما بأن الأمن يوقف المجرمين والقضاة يطلقون سراحهم.. فيصبحون من المغضوب عليهم ويعاقبون عادة بالنقل التي لها تأثيرات سلبية عديدة على استقرار عائلاتهم ..
وقد كان الأمر كذلك قبل الثورة..
وبعد الثورة أصبحت النيابة تتمتع بجانب كبير من الاستقلالية عن السلطة التنفيذية في الملفات المعروضة عليها، لما أصبحت النقل والتعيينات في المناصب القضائية من صلاحيات مجلس قضاء منتخب..فانخفض عدد الموقوفين تحفظيا في السجون..
وها انه بعد الإنقلاب رجعت حليمة إلى دارها القديمة…وهذا طبعا بعد حل مجلس القضاء المنتخب .. وحتى المجلس المعين الذي عوض غيب… وأصبحت نقلة القضاة بمذكرات العمل مباشرة من وزارة العدل!!
بل وأكثر…فالأعداد التي كشف عنها النائب… لم تحصل مثلها قبل الثورة!!