في ضرورة رد الرئيس الى السياسة و ضرورة رد السياسة الى مشاريع وطنية منجزة ..

لقاء الرئيس مع السيد رضا شهاب المكي يذكرني بشبابي و هذا امر غير جدي . في شبابي كما في شباب كل جيلي كنا نتمترس في رداء ايديولوجيات طوباوية جمعناها من بطون الكتب و أصبح كل واحد منا يتصور ان ما صغناه من فقرات الكتب هو مشاريع خلاص رسالي نتخيل بنزق الشباب انها الحل الشامل للبلاد و العالم …

فائدة هذه اليوتوبيا انها شحنتنا في شبابنا بالإحساس السامي بالمسؤولية عن الناس و عن العالم و منحتنا قدرا من الثقة بأنفسنا اننا مؤهلون لتأويل العالم و المهم اننا قادرون على تغييره ...و لما شاعت لنا في سنين العمر كل مهجة و بدأنا نغادر مدارج الجامعة الى معترك الحياة و العمل و المعرفة الاوسع و انخرطنا في العمل النقابي و السياسي العلني و الواقعي خفتت احلام الصبا يسيرا يسيرا و انخفض منسوب الدغمائية الطوباوية و بدأنا نفهم السياسة تنسيبا و استفادة من النظر المقرون بالعمل و دخلنا مجال السياسة العصرية في مجال الكفاح من اجل الديمقراطية و اصبحت متاريسنا الرسالية و الايديولوجية القديمة ذكرى جميلة لا تخجلنا بل نبتسم و نحن نتذكرها كما نبتسم من صورنا القديمة بالأسود و الابيض و نحن نرى شعورنا المتهدلة على الاكتاف او لحانا المنسابة على وجوهنا بلا حلاقة و هذا هو التطور الطبيعي للبشر السوي : لو لم نكن ايديولوجيين حالمين في صبانا فقد كنا غير سويين و لو بقينا كذلك و نحن في كهولتنا و شيخوختنا القادمة فنحن مجانين ....

يتغير التاريخ ايضا حتى في طبيعة شباب اليوم المختلف عن شبابنا ....في شبابنا كنا نتأدلج اما شباب اليوم السوي فله طريق اخر هو نتيجة عصره الرقمي البراغماتي ....ابني معتز يناقش كهولتي و افكاري الراهنة و ينقدها ليس بإيديولوجيات ابيه القديمة فزمان شبابه غير زمان شباب ابيه ...هو يجادل تصوراتي المحافظة حول انماط التنظم و الركون الى الحزبية التقليدية او التحليل بمظاهر التحفظ الاصلاحي و تواصل المنظومات و يفتحني على اشكال الانسياب العولمي للفكرة و العمل و التأثير و يفتحني نظريا على قدرة الجذرية و الم ق ا و م ة السياسية و التغيير الراديكالي بأساليب العصر و عقله و تقنياته دون ان يكون في تلك الراديكالية طوباوية او دغمائية عصرنا و نظرياته التقليدية بل تبدو لي افكاره و انا الكهل الحريص على الدقة و العملية مقنعة بشكل اكثر مما كانت راديكاليتنا نحن شباب القرن العشرين و هكذا اقتنع اننا يجب ان نترك الفعل حقا للشباب لكن اي شباب ؟ انه الشباب المتشبع حقا بمعارف عصره و ليس اي شباب ذاك الذي تلهج بالمزايدة به علينا الشعبويات الفارغة …

السياسة كما يفعلها اليوم بعض من ابناء جيلنا في هذا المشهد التونسي التعيس تحتاج فعلا للمراجعة و التطوير على ضوء تحولات العصر و التاريخ ...هذا مؤكد ...و يجب فعلا ان يمارسها شباب يتشبع و يعبر عن تحولات عصره ...لكن لنتفق اولا : ماهي التحولات المقصودة ؟ و من هو الشباب المقصود ؟

من المؤكد انها ليست التحولات التي يقصدها سي قيس و سي رضا و من الاكيد ان الشباب المقصود استعادته ليس شبابي و شباب سي قيس و سي رضا و هما تحت الشمس منذ عقود يجوبان البلاد و هما لا يملكان ثمن القهوة لنشر نظرية الخلاص …

سيدي الرئيس مرحلة شبابك و شباب رضا و شبابي افلت و البلاد محتاجة اليوم ان نقدم لها كهولتنا و افكارها الناضجة مع الانفتاح على بعض اضافات شباب اليوم العارف فعلا بعصره و ليس الشباب الذي شحنته ببقايا شبابك الذي تستذكره و تصبه في عقولهم التي لا تعيش عصرها، بل عصر شبابك انت و رضا ...البلاد اليوم ليست مخبرا لنعيد فيها تجريب احلام شبابنا الذي ولى و لم نعد حتى نحن نصدقها

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات