مقدمات في علم النفس السياسي على المشهد التونسي .

Photo

مالذي يجعل اتباع أحزاب سياسية تونسية في صورتها الحالية التي نعرفها يدخلون في صراعات و تكاره في ما بينهم و نحن لا نرى بينهم مبررات تناقض اجتماعي او طبقي و لا نرى في احزابهم او قياداتهم مقومات قيمية او كفاحية تدفع بالاتباع الى هذا الولاء التعبوي التلقائي العجيب الذي يدخلهم في صراع مع اتباع خصوم يبادلونهم بدورهم نفس العدوانية رغم ان الفريقين من الاتباع ينتمون الى نفس التركيبة الطبقية و الاجتماعية و لا ينالون من احزابهم مصالح مباشرة كالتي نالها او ينالها قياديو الاحزاب الذين يعبئونهم في معارك و صراعات و تكاره عجيب .

لا يمكن اعتماد عامل الولاء النفسي للقيادات الملهمة فهذه الولاءات تنشأ عادة في علاقة بشخصيات و زعامات استثنائية تتمتع بكاريزما خارقة و سيرة نضالية و اخلاقية و سياسية مميزة و عادة ما نرى هذا الولاء المفهوم و غير المستغرب لقيادات م ق ا و م ة توجد على خطوط النار او في جبهات الكفاحية السياسية و عانت و تعاني مثل الاتباع نفس الحياة النضالية المشتركة .

لا تبدو المصلحة المادية مفسرة ايضا لهذا الولاء فمالذي يجعل شابا تونسيا فقيرا عاطلا عن العمل يسب شابا تونسيا اخر في نفس الوضعية و يدخل معه بشكل يومي في صراعات و تكاره رهيب لا لشيء الا خدمة لهذا الحزب او ذاك الذي يجلس على راسه قيادات و كوادر في مكان ما بعيدا عن الشابين حيث يستمتعون بالمواقع او المناصب او بحياة طبقية و اجتماعية لا علاقة لها اصلا بالحياة اليومية التعيسة للاتباع المتكارهين ؟

ليست الايديولوجيا باعتبارها عاملا استيهاميا عجيبا في استثارة الولاءات سوى عامل صغير في تفسير هذا السلوك الولائي و العدواني لاتباع الاحزاب من المستضعفين و المهمشين فقد خفتت الايديولوجيا منذ ازمنة بعيدة اما بسبب محدودية التحصيل المعرفي للجيل الراهن او بحكم خروج اغلب الاحزاب من هذا الوهم .

كتب المفكران اللبنانيان خليل احمد خليل و علي زيعور عن " العنف و رغبة التمذهب " و عن " الاكبرية و التعويض " في الذات العربية و تحدث مصطفى حجازي عن سيكولوجية الانسان المقهور و لكن تحاليلهم تبقى صالحة لسياقات الثمانينات و ما قبلها من القرن العشرين .

ما نراه اليوم على هذا الفضاء الازرق و خصوصا بعد الثورة من ولادة نزوع الولاءات لأحزاب لا توجد مبررات قيمية او سياسية ليكون ولاء البعض لها بمثل هذا الاخلاص و العنف المضاد للخصوم يحتاج دراسة نفسية اجتماعية تقف عند حجم الرضوض و غياب الاحساس بالأمان الذاتي و الرغبة المرضية في الاحتماء و الخوف من الاخر و هي المشاعر التي تنتجها طرديا " انتفاضات الحشود " و ما يرافقها من عنف اعمى و مخيف يدفع الافراد في وضع الهشاشة النفسية الى " الانتماء الى جماعة " تمنحهم هوية حامية من غضب " الجماهير " حين ينطلق لاسقاط " النظام " .

في الديمقراطيات المستقرة او في الاستبداد الحامي لا يحتاج الفرد الا لفرديته الشخصية او العائلية اذ تتكفل " الدولة / النظام " بحماية الجميع لكن في مسارات " الانتقال " حيث تنزل الحشود لممارسة " الاسقاط " تهرع الفرديات الى الاحتماء " بفرقة " تنافس لقيادة " الاسقاط " و تقاسم "النفوذ " …

الولاءات التي لا تفسير لها فكريا و اخلاقيا هي بحث عن هوية جماعية مع " جماعة " و لو كانت على غصن شجرة جرداء و العدوانية تجاه الاخر و لو لم يكن في الاصل عدوا هو اثبات نفسي هش لهذه الهوية المرتجة ...هذه الحشود الموالية بلا مبررات هي وقود العنف المتربص بمسارات الانتقال ...في تجارب مماثلة هناك اتباع تقاتلوا فجأة دون ان يعرفوا السبب …

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات