منذ عقود ثلاثة وحين كان النظام العالمي يذهب الى خيار العولمة والاستقرار تحت القطبية الأمريكية الأطلسية الواحدة كان العرب خارج المعادلة يعيشون أحلك أوضاعهم كما كان شأنهم حين استقر النظام العالمي ما بعد الحربين في الأربعينات على قاعدة الاستقطاب بين المعسكرين .
اقترنت ولادة النظام العالمي الأول في الأربعينات بإعلان قيام دولة الكيان ونكبة العرب وتشكل دول الاستقلال الشكلاني كنظم تابعة وتسلطية بين ملكيات وسلطنات وإمارات مصطنعة استعماريا لتأسيس حكم عائلي متخلف يحرس الطاقة والفضاء الحيوي للغرب الأطلسي ، أو بجمهوريات حكم فردي يدعي الحداثة وينسب لنفسه مكسب الاستقلال والبناء الوطني عبر هيمنة الحزب الواحد والزعيم الأوحد ، او بجمهوريات العسكرتاريا الشعبوية التي أسست باسم " الجماهير " والعدالة والاشتراكية والوحدة العربية وباسم مزاعم " التحرر الوطني " أبشع نظم المخابرات وسحل النخب وتدمير كل نتوءات الحياة السياسية التي كان يشهدها المجتمع العربي في فترة الاستعمار وكانت نواتات ممكنة لبناء دولة المواطنة لو لم تجهضها التسلطيات العربية .
حين كان نظام العولمة / الأمركة يعلن نفسه في التسعينات كان العرب يعيشون أيضا أحلك أوضاعهم مع ثنائية الاستبداد والاحتلال : حوصر العراق منذ التسعينات بعد حماقة المواجهة العربية العربية على خلفية غزو الكويت وبذلك خرجت بغداد بعد خروج القاهرة من معادلة الصراع العربي الصهيوني وبمغادرة المقاومة لبيروت أوائل الثمانينات دخل العرب عصر قيادة نظم النفط وتم جرجرة الأمة الى مدريد وأوسلو ليدخل العرب ابشع مظاهر الهوان القومي . وعلى صعيد الحكم السياسي وبعد امل خاطف أوائل التسعينات بإمكانية انتقال ممكن نحو الديمقراطية في الجزائر وتونس وبعض الملكيات الدستورية ، استعادت المنطقة العربية سريعا " وحدتها " حول خيار التسلطية وخنق الحريات وتغول النظم على مجتمعاتها ونخبها .
ونحن نشهد اليوم مخاض العالم لصياغة نظامه الجديد ضمن تعدد الأقطاب وبداية أفول الهيمنة الأمريكية الأطلسية وصعود القوى التقليدية والجديدة في شرق وجنوب أسيا ، لا يبدو أن العرب في وضع أحسن مما كان عليه وضعهم عند كل تخلق لنظام عالمي جديد : انكسار وطني أمام الاحتلال بعد خذلان رسمي وشعبي للجسم الحي في الأمة ( المقاومة) وعودة بشعة للتسلطية بأشكالها المختلفة اثر تراجع موجات الدمقرطة والحرية مع تراجع ما عرف ب " الثورات " العربية .
لماذا يجد العرب انفسهم في القرنين العشرين والواحد والعشرين ( في ربعه الأول على الأقل ) خارج الموعد مع التاريخ يرتب العالم بدونهم وعلى حسابهم ؟
هذا مبحث كبير نحتاج فيه الى كثير من القسوة في مبضع الجراح …