العهد الديمقراطي وميثاق الانقاذ الوطني : اليوم وليس غدا .

كلمات هادئة للساحة الوطنية قبل الكارثة القادمة

يكاد الاجماع يحصل بين جميع الفاعلين السياسيين أن حكم صاحب 25 جويلية يذهب بالبلاد الى مجهول الانهيار الشامل للدولة والاحتقان المعمم في المجتمع والانهيار الاقتصادي الكبير .هذا الاجماع أصبح التعبير عنه بصيغ مختلفة بين من اعتبر 25 "تصحيحا للمسار" ومن اعتبره انقلابا.

في جبهة مناصري 25 جويلية وبعيدا عن شعبويي الرثاثة بدأت الاحزاب والشخصيات التقليدية التي وقفت معه تتلعثم بأنصاف جمل حول " مساندة أصبحت نقدية " كتعبير خجول عن الاحساس بالورطة وفي محاولة حيية للنزول من قطار يذهب الى الحائط .

في نفس الجبهة لا تبدو الادارة( النظام) - التي تحاول رسم خطوط الحد الادنى من العقل لمغامرة 25 جويلية - قادرة على محاصرة نزوات العبث " الباكونيني" ( نسبة الى باكونين ) الذي يجهز على ما تبقى من "محصنات" "الدولة الوطنية " وما تبقى من " منطقها " .ولا يبدو ان هذه " الادارة" واثقة من أن اخر محطة من خارطة طريق 25 جويلية (انتخابات 17 ديسمبر ) ستكون طوق النجاة من هذا العبث نظرا لطبيعة القانون الذي سيحكمها وطبيعة المخرجات الرثة التي بدأت تبرز ملامحها " المبشرة " في نوعية الترشح واجوائه .

ولكن القاسم المشترك داخل الضفة الخمسوعشرينية نظاما واطرافا سياسية هو ترددها في رفع اليد نهائيا عن 25 لأسباب عديدة منها احتدام التنافس بين اجنحة هذه الضفة وخوفها من تسليم امرها لخصوم الانقلاب وهو خوف يغلفه اكثر " عقلاء " هذه الضفة بفزاعة خطر العودة الى وضعية 24 جويلية المأزومة او ما تسميه الادارة / النظام و رعاتها الداخليين والخارجيين "غياب البديل" في اشارة الى انقسام الطبقة السياسية المناوئة لانقلاب 25 جويلية .

في ضفة معارضة الانقلاب ومقاومته يتواصل تقارب المواقف موضوعيا رغم صعوبة تحويل هذا التقارب الى جبهة وحدة وطنية على خارطة انقاذ مشتركة نظرا لخلافات كثيرة بعضها ايديولوجي تقليدي بين القوى المسماة علمانية ديمقراطية وحزب " الاسلام السياسي " كما يسمونه اي النهضة وبعضها سياسي يتعلق بقراءة عشرية الانتقال وتقسيم مسؤوليات الفشل والأهم في هذه الخلافات عدم الاطلاق الشجاع للتفاوض الوطني حول القسمة السياسية لما بعد اغلاق قوس 25 وكيفية التسوية الشاملة للملفات الخلافية الكبرى التي عصفت بعشرية الانتقال لاسيما عناوين الاصلاح السياسي والاقتصادي المطلوب وسبل ترميم الثقة بين الاطراف الوطنية المؤمنة بالصراع تحت سقف الديمقراطية عبر تنازلات تاريخية عادلة وقادرة على ترميم الثقة بين هذه الطبقة السياسية و المواطن / الشعب .

على المستوى الشعبي والاجتماعي يزداد الاحتقان والغضب، ولكن الازمة لا تستطيع ان تنتج حلولها في هذه الساحة لغياب الرؤية القائدة وانقطاع الصلة مع الشارع السياسي التقليدي المنقسم على نفسه والمعارض للانقلاب دون ان يقدم نفسه للناس بديلا وطنيا منتجا للحلول الجديدة ومعترفا بأخطائه السابقة وموحدا على مشروع وطني مشترك .

اما المنظمة الشغيلة بماهي العنوان الأهم في هذا الشارع الاجتماعي والشعبي تقليديا وفي تاريخ البلاد فتبدو مترددة بين ورطة اسنادها اللامشروط في مرحلة اولى للانقلاب على الديمقراطية العليلة و بين خشيتها من البحث عن نقطة التقاء مع الشارع السياسي او توحيده كما فعلت في ازمة 2013 نظرا لما يعتمل داخل هذه المنظمة الشغيلة من خلافات سياسية ايديولوجية داخل قياداتها وهياكلها ونظرا لحذرها المبالغ فيه لأسباب مختلفة ( ؟) في اعلان فك الارتباط مع صاحب 25 جويلية فضلا عن تهتك علاقة هذه المنظمة مع الشارع الشعبي نفسه باعتبارها جزءا من المشهد السياسي التقليدي الذي لم يعد يستسيغه عموم الشعب .

الوضعية بهذا التوصيف تنتهي الى ما يسمى في المسارات السياسية " البلوكاج " وهو حالة ازمة خانقة تقف كل اطراف الحل فيها : عقل الدولة و المعارضة بسقوفها المتفاوتة على ارضية لزجة من توازن الضعف من جهة والتخوف من الذهاب الى التسوية من جهة اخرى .

عندما تصل الاوطان الى مثل هذه الوضعيات تحتاج الطبقة السياسية والنخب الوطنية وعقلاء البلاد الى قدر كبير من الشجاعة السياسية لصياغة العهد الديمقراطي الوطني بينها والذي تحسم فيه مؤقتا كل خلافاتها عبر صياغة اجابات وسطية مشتركة عنها وتذهب فيه الى صياغة خارطة طريق وطنية تحدد كيفية انهاء ازمة الحكم وتضبط سبل الادارة الجماعية للبلاد ( القسمة السياسية على قاعدة مشروع وطني مرحلي ) لإنقاذها اقتصاديا و ايقاف مخاطر انفجار الدولة والمجتمع قبل اعادتها الى وضعية الديمقراطية المستقرة الناجزة والمنجزة ...ليست العهود او المواثيق الوطنية في وضعيات البلوكاج مجرد دعوة عاطفية او انهاء للاختلاف بل هي ضرورة موضوعية ( اكراه ) ورغم انها تبدو في الظاهر خيارا " غير ديمقراطي " الا انها مرحلة ضرورية لها فهي استعادة لسلطة "النخب" و لدور " السياسة العالمة " حين تكون البلدان مهددة بعبث " الاستبداد الغبي " او " الشعبوية العمياء " وهما وجهان لعملة واحدة تذهب بالأوطان الى الخراب والاحتراب والعطالة .

فكرة العهد الديمقراطي او الميثاق الوطني او التسوية التاريخية. باعتبارها اسلوبا " غير ديمقراطي " لاستعادة المسار الطبيعي للأوطان تبدو فكرة مزعجة نظرا لارتباط ذاكرة التونسيين بخماسية " التوافق " بين النهضة والنداء والتوافقات المنفلقة سريعا في حكومة الفخفاخ و التوافق المغشوش حول حكومة المشيشي ولكن فساد شروط ونوايا هذه التجارب و غياب نصوصها الواضحة و ضعف المرجعيات او غيابها وقيامها على الانتهازية السياسوية بعيدا عن وضوح المصلحة الوطنية لا يعني ان تسويات عميقة وواضحة ونظيفة غير ممكنة مستقبلا بل لا محيد عنها اصلا .فنحن لن نخترع العجلة في اعتبار هذا الطريق التعاقدي هو الحل الوحيد امام المجتمعات المنقسمة والمازومة والمقبلة على الانهيار .

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات