إسماعيل السحباني ...مفارقات الزمن التونسي

نص شبه سياسي شبه روائي ..

احب استحضار التاريخ ...أنا تونسي مسيس منذ فترة مبكرة من شبابي ...اعيش اغلب حاضري الراهن مسكونا بالذاكرة الصاخبة …

من خلال ما تختزنه هذه الذاكرة الملعونة من معرفة بالوقائع تحلل الراهن ..فيقف عقلي أمام المفارقات وقد يتحسس حلقي أحيانا مرارة الخيبات في هذا التاريخ التراجيدي للحركة السياسية والاجتماعية التونسية بالمعنى اليوناني العميق للتراجيديا …

إسماعيل السحباني العامل النقابي الشاب الذي تولى في عهد عاشور اكبر النقابات قيمة وتأثيرا...نقابة المعادن بوزنها التونسي والدولي ...ابن سجنان احدى مدن الصناعات و " البروليتاريا " التونسية ( استعمال المفهوم مبالغ فيه ) .


…

أكثر الصامدين يقول العارفون لنا ونحن في سنين شبابنا الأول واكثر من تعرض للقمع والتعذيب مثل سعيد قاقي والكوكي في إيقاعات جانفي 78 واهم من تضامنت مع قضيته نقابات عالمية وازنة …هكذا قالوا لنا حين احتاجوه في معركة خلافة بطعم الاستقطاب في أول سنوات النوفمبرية قبل ساعات من بداية زمنها المرعب …

سيكون الشاب الأسمر الداخل على الكهولة بعد سبعة نوفمبر وفي مؤتمر سوسة هو العصفور النادر للسلطة الجديدة في مقابل وريث المدرسة العاشورية ورفيقه الشاب المكتهل علي رمضان الموصوم تكتيكيا وانتخابيا بالخونجة …

سوف يتم تسويق العاشوري إسماعيل كيساري في مواجهة اليميني الموصوم بالاسلمة العاشوري علي …ومن احدى نزل سوسة كان اليساري الوافد على السلطة النوفمبرية منصر الرويسي يركب لعبة الاستقطاب الإيديولوجي بمهارة الشطرنجي القادم من حلقات اليسار الذكي لتتم التعبئة الانتخابية على أساسها في المؤتمر الشهير وينتصر الأمين العام القادم من الشمال الفولاذي على القرقني المتمترس بإرث حشاد وعاشور القادمين من عمالية صفاقس القلعة …وليذهب الاتحاد شمالا بعد عقود تداولت على أمانته عمالية الصفاقسية ومناجم القفاصة وصولا الى حديد بنزرت وبين المحطات بعض وقفة سريعة عند تخوم الساحل مع المكنيني الشاب بن صالح الذي سيذهب لدولة الاستقلال الوليدة بالبرنامج الاقتصادي والاجتماعي للنقابة الإفريقية والعربية الأعرق .

يدور الزمان دورته ويدخل الاتحاد مع النوفمبرية في هدنة التعاقد الثلاثي السحبانية التي ضمنت قوة " الدولة الحديثة " في مواجهة الرجعية والظلامية قبل أن يستنفذ هذا الأسمر الشمالي أغراضه اثر سفر غامض الى أمريكا بعد سنوات من أريكة المكتب التي أنست عامل المعادن صمود الخميس الأسود وكفاحيته ورطبت جلده وبيضت شعره حتى اصبح الطموح اكبر من أن يحتمله صانع التغيير وصانع إسماعيل وفي جرة قلم يقرر إخوة المكتب التنفيذي عزله بصفقة غير معلومة مع مشهد سياسي قائم وتغليف ذلك بمؤتمر جربة المسموح له بسقف ثوري للاقتراب مؤقتا من خطاب معارضة سياسية متألقة في الالفينات ورابطة حقوق إنسان تستعيد نضاليتها ..

ذهب إسماعيل وتولى عبد السلام وعاد الشقف الى ظهر المالح كما كان ودخل علي رمضان عائدا الى خيمة معلمه الراحل عاشور ليحقق لنفسه ثأرا تاريخيا دون أن يكون له من الأمر شيء …

وبعد سنوات يسير إسماعيل في طريق معلمه الراحل الحبيب عاشور فيؤسس الاتحاد الموازي كما فعل الراحل ذات يوم حين أسس الموازي في صراع داخل المنتظم البورقيبي ليخرق وحدة قومية حين لم تنصف سي الحبيب الثاني وحين لفظه الإخوة في المنظمة كما فعلوا مع إسماعيل …

تلك مفارقات تاريخ تونسي يتقلب فيه الفاعلون الى مواقع متقابلة مثل أبطال مأساويين كنا نتابعهم كشباب ونحسم فيهم جميعا بجرة شعار …أو نقف حائرين نبحث عن محور الصراع الرئيسي واليات الاصطفاف مع هذا أو ذاك منهم .

حكايتنا التونسية …الاهي ارحمني من هذه الذاكرة الصاخبة المكتظة ..

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Maher
14/08/2025 06:06
تاريخ الاتحاد لم يخرج من فلك السلطة منذ الإستقلال، وكل من حاول كان مآله السجن او التهميش والعزل. ولكن حين عرف الاستقلالية الكاملة فرط في قيمه ومبادئه المبنية أساسا ليس على السياسة لكن حماية حقوق العامل. وهاهو يهمش من جديد ويلعنه المواطن والعامل قبل صاحب السلطة... وآخر انجاز، اضراب في النقل العمومي، جلب له اللعنة منالمواطنين او من "المليشيات"، كما نعتتهم القيادات، والتهديد من السلطة التي انحازت "للمواطن"