ليس مطلوبا اليوم الانشغال بخرافة البحث عن الالتقاء بين التيارات السياسية التونسية من اجل استعادة المسار الديمقراطي كما يقول البعض فقد أغلقت القوى الدولية المتنفذة قوس أجندة الديمقراطية محليا وعربيا لتذهب الى أجندة إعادة بناء " الدول التقليدية / النظم القديمة " على قاعدة التسلطية القوية الناعمة القابلة بالترتيبات الأمريكية لمنطقة تتزعمها إسرائيل المندمجة في الشرق الأوسط الجديد مع شراكة تحسين وتنفيس لزعيمي العرب والإسلام السني بتلوينيه التقليدي والسياسي أي السعودية وتركيا …
ضمن هذه التسلطية الناعمة لن يكون للتيارات السياسية الكبرى مشاركة فعلية في الحكم رغم أنها لن تكون ضحية للقمع والإقصاء التقليدي الذي اعتمدته التسلطية الخشنة التي تم إضعافها بموجات الربيع السابق لإعادة رسكلتها وتلميعها وصولا الى التسلطية الناعمة التي عطلها الطوفان لبعض الوقت ولتعود الآن بعد الضربات التي واجهتها المقاومة عبر الاغتيالات ثم إسقاط النظام السوري وإشغال ايران بحرب قاسية مع الكيان في انتظار النجاح في نزع ما يقدرون عليه من أسلحة المقاومة.
اذا تمكنت الأجندة الأمريكية من تقليم أظافر المقاومة في لبنان وغزة وحجمت الاندفاعين الإيراني واليمني فسوف تضمن الهيمنة الأطلسية لما يقارب العشرية الآمنة والمستقرة للتفرغ لمواجهة التنين الصيني وحلفائه .وضمان التطبيع الفعلي أو المقنع .
المطلوب اليوم اذن من القوى السياسية التونسية ليس الوحدة ( على اللاشيء ومن اجل لاشيء : نهاية عصر الدمقرطة) بل تفرغ كل تيار كبير من الإسلاميين والعلمانيين لكتابة قصته الخاصة للحكاية التونسية وتصوراته لمستقبل وطننا كجزء من عالم عربي سيستعيد ذات يوم طموحاته في الحرية والتحرر ..وعندها يكون محتاجا فعلا لأحزاب حقيقية تفرض التسويات والترتيبات بشراكة وطنية فعلية لا بمجرد إملاءات لأقوياء العالم .
طبعا التاريخ الآن يتحرك بشكل متسارع وما قلته أعلاه قد يصبح غير صحيح بعد لحظة بمجرد حدث قادح يقيضه الله لشعوب المنطقة ولكن هذا امر يتعلق بالقدر الإلاهي (كان الطوفان في طريق مفتوح لولا حادثة البيجر والاغتيالات الكاسرة للظهر وقرار القوى الدولية المتصارعة إنهاء حكم البعث في سوريا وتلك أحداث لا تتوقعها اقوى العقول الاستراتيجية كما لم تتوقع تلك العقول حدث الطوفان ) .
ولكن بقطع النظر عن القضاء والقدر والتدخل الإلاهي يحسن بالتيارات الكبرى في المنطقة وبالتالي الأحزاب التونسية التفرغ لبناء أفكارها ورؤاها وتجديد انتظامها وهياكلها والكف عن صراعاتها اليومية على الحكم الذي لن يكون من نصيب أحد فلا أربعة وعشرين سيعود ولا الراهن سيستمر كما هو والعمل السياسي التقليدي ذهب الى غير رجعة ....إلا اذا أراد الله غير ذلك ( جملة احتياطية باش بعض العباقرة ما يقوللناش هاهي توقعاتكم لم تحصل ).