هي رواية الحدث وتوصيفه والبناء عليه والاستخلاص منه .هل الحدث التاريخي الواحد تتعدد حوله السرديات ؟
نعم وخصوصا حدث الحرب بين المقاوم والمحتل ..بين الظالم والمظلوم ..بين المستضعف والمستكبر ...الحرب تتم على الميدان وتتم أيضا على صعيد السردية والانتصار في هذين المستويين جدلي ...بمعنى أن الانتصار في الأول يؤثر في الثاني والنجاح في الثاني يؤثر في الأول .
معركة السرديات تؤثر في بندقية المقاتل واندفاعها وفي نفسية الحاضنة والتفافها وفي تعبئة المناصر وساحاته وفي جمهور العدو ومؤسساته وفي طاولة التفاوض ومخرجاتها ...لذلك يكون للكتاب وللمحللين وللاعلاميين وللخطباء وللنشطاء ولقادة الأحزاب دور أساسي في حرب السرديات ويكون لما ينجزه كل واحد من هؤلاء في معركة السرديات سلبا أو إيجابا دور في التأثير على ما ذكرناه أعلاه من ساحة الحرب الى طاولة التفاوض باعتبارها امتدادا لساحة الحرب وما بينهما مما ذكرنا .
حين يقول نتنياهو وساردوه لحماس : هزمتك عسكريا لذلك قبلت بالصفقة …
ترد المقاومة وساردوها : فاوضتنا لأنك عجزت عن هزمنا .
وحين يقول نتنياهو وساردوه ليؤثر في طاولة التفاوض : قبلوا بكيت وكيت ..ترد المقاومة وساردوها قبلنا تدقيقا بكيت وهذا يحتاج تفصيلا في التفاوض ولم نقبل بكيت وذلك من مهمة المفاوضات الكبرى في ترتيب المنطقة والعالم .
هذا الجوهري في معركة السرديات الراهنة يؤثر به الساردون على حواضنهم :
يقول جمهور الصهاينة ومعارضتهم لنتنياهو : ماذا فعلت ؟ ألم نقل لك انك لن تحقق شيئا إلا بالتفاوض ؟ لماذا أضعت الوقت وقتلت جنودنا وحرقت أكباد الأمهات على الرهائن الذين قضوا ...فيقول : لولا الحرب التي ضغط علي كل العالم لأوقفها لما قبلت حماس بما فرضته عليها ( هذه معركة سرديات داخلية تؤثر في معنويات الجيش والمؤسسات والجمهور المحارب المحتل ) .وفي نقضها يستشهد معارضوه بسردية حماس التي يتم توجيه جزء منها للداخل الصهيوني لكسر سردية نتنياهو .
يقول الاستسلاميون الانهزاميون لحاضنة حماس الغزاوية : ماذا فعلت لكم الحركة غير القتل والدمار لتنتهي الى تسليم الرهائن ؟ فتجيب سردية المقاومة بأن حساب الحقل والبيدر في صراع المقاوم مع المحتل لا يكون بهذه الصيغة .
ثم ماذا فعلت أوسلو ؟ هذه حجة قديمة وقائمة تستعمل في السردية الراهنة للمقارنة بين حصاد أوسلو وحصاد الطوفان سياسيا .
ولكن الأهم أن سردية المقاوم تفاخر بإسقاط مشروع إسرائيل الكبرى وإعادة حل الدولتين الى السطح وإسقاط مسار التطبيع والاتفاقات الإبراهيمية التي كانت ستقبر القضية بالتهجير والتعويض بالوطن البديل . والاهم من ذلك التمكن من إيلام العدو وتأكيد جدوى المقاومة المسلحة في ترفيع سقوف التسويات.
والأساسي عزل الصهيونية والتغير الجذري للشارع والضمير الغربي نفسه وسقوط المظلومية اليهودية وعودة فلسطين كلمة سر في مواجهة الغرب الحر للرأسمالية اليهومسيحية واستغلاليتها واستعادة صورة الصهيوني الكريه التي يختزنها المسيحي الأوروبي قبل أن يصهينه الانجيليون المتطرفون والماسونية الصهيونية .
والمركزي استعادة الشعوب العربية الى المعركة المركزية وترفيع منسوب غضبها الكامن على نظمها الخانعة تمهيدا لتغيير ملامح المنطقة بالتوازي مع عالم سيتغير بالقضية الفلسطينية وعبرها .
كلما انتصرت هذه السردية المقاومة وتم التأكيد على أن كل ما تحققه المقاومة خطوة الى الأمام كلما شحنت البندقية المقاتلة فتكون النتيجة أن تصر الحاضنة على البقاء وعندها يتم تكييف طاولة التفاوض ومخرجاتها والضغط على الوسطاء والمزاج العالمي ويتم الحفاظ على تعبئة الشوارع النصيرة في العالم الحر حتى لا تقول هذه الشوارع : ما فائدة نصرتنا لفلسطين لقد انكسرت المقاومة وأحبطت الحاضنة ويئس العرب ؟
حين تنتصر أنت لسردية النصر، أنت في الحقيقة لست بصدد نشر الوهم الانتصاري لأن الوقائع على الأرض فعلا لا تشير الى هزيمة فالسلاح مستمر والإنفاق جزء كبير منها قائم وترميم جبهات الإسناد يتم بخطى حثيثة هذا أولا ...أما ثانيا فحين تروج لسردية الانتصار فانت تحافظ على تعبئة الشعوب العربية وترفع املها في النصر وتواجه بذلك سردية الكيان الذي لو كان منتصرا لما كان قادته يتكلمون يوميا وينشرون صور بلطجتهم في القدس أو مع اسرى فلسطينيين أو مع اسرى أسطول عزل لا سلاح لهم كما فعل الإرهابي الجبان بن غفير ولو كانوا منتصرين لما كانوا يلعنون يوميا إعلام الغرب وشوارعه التي عزلتهم ويتهمونها بمعاداة السامية .
انصر سردية إخوتك أو على الأقل لا تساند سردية العدو .هل فهمتم الآن لماذا نقول للبعض أن المقاومة حقا لم تنهزم ...إنها معركة السرديات.