حسنا، لنترك الإشاعات ونتحدث في الحقائق

Photo

في تحليل خطاب سريع: عندما نعود إلى إشاعة "عودة 460 تونسيا من داعش عبر مطار النفيضة"، نكتشف أن المشكل الذي يطرحه مضمون الإشاعة ظاهريا، ليس في عودة الدواعش في حد ذاتها، بل في تركيا لارتباط هذه الإشاعة بإشاعة تسليم مطار النفيضة مجانا إلى تركيا في إطار الترويج لفكرة سابقة وهي الاستعمار التركي لتونس،

لأن الإشاعة الأولى لا تشير أبدا إلى احتمال عودة الدواعش عبر مطار قرطاج كما يحدث في الواقع، هذا ظاهريا، لأن تعميق التحليل يكشف أن اتهام "تركيا الأردوغانية" يخفي اتهام حركة النهضة بأنها وراء تسفير المقاتلين بالتواطؤ مع الأتراك،

وهي أيضا وراء إعادة هؤلاء الإرهابيين إلى تونس لإطلاقهم في الفضاء العام لتنفيذ خدمات لأغراضها السياسية، لتثبيت فكرة أن النهضة ليست حركة سياسية بل إرهابية لذلك لا يمكن التفاوض معها على تكوين الحكومة، لأن الفضاء الأساس لمعارك الإشاعات الأزلية هو الفضاء الوطني الداخلي بين الإسلام السياسي وخصومه، ومن بينه أن يقع اتهامي، الآن في هذه اللحظة بأني أخوانجي متنكر،

حسنا، لنترك الإشاعات جانبا ونتحدث عن الحقائق: مطار النفيضة واستغلاله هي واحدة من قضايا سوء التصرف العمومي الموروث من زمن زبونية نظام بن علي بشكل عام، سواء استغله الأتراك أو الصينيون أو حتى الأكراد، عموما هو مشروع فاشل على كل المستويات وليس هذا مجالنا، رسميا: ليس هناك أي مصدر لرقم 460 تونسيا مرحلين من تركيا سوى الإشاعة، وبشهادة الأمم المتحدة، يوجد في السجون التركية 1201 سجينا من المشتبه في انتمائهم إلى تنظيمات جهادية نفهم منها أنها معادية لتركيا منهم 1149 داعشيا حسب التصنيف التركي، يضاف إليهم 287 سجينا عند الأتراك في التراب السوري، أي بعيدا جدا عن الرقم الذي تداولته وسائل الإعلام التونسية نقلا عن "مصدر جزائري موثوق" من وجود 12 ألف داعشي تونسي في سووريا،

للأتراك مصالحهم في التصنيف، إنما لم يصدر أي بيان رسمي سواء منهم أو من الأمم المتحدة عن رقم يخص التونسيين ولا شيئا خاصا بترحيل التونسيين وما إذا كانوا ذكورا أو إناثا أو أطفالا، سواء نحو مطار النفيضة أو أي مطار تونسي آخر، والمعلومة الثابتة الوحيدة أن السلط التونسية لم ترفض استقبال أي تونسي عائد أو مرحل من بؤر التوتر بما يليق به: بحث مطول جدا لا رأفة فيه يروي فيه قصة حياته عشرات المرات ثم السجن، وتفرض السلط التونسية استقبال هؤلاء في مطار قرطاج لأسباب تقنية لا تحتاج توضيحا هنا،

ومثل هذه الأمور تتم يوميا بالتنسيق بين تونس وأغلب دول المتوسط وغيرها، سواء في إطار اتفاقيات معلنة أو سرية، المحققون التونسيون يذهبون أيضا إلى بؤر التوتر ويعالجون هناك مثل هذه القضايا التي لا تحتاج شيئا أكثر من الصمت والرصانة، والدول المعنية بمثل هذه الصراعات صممت مجالات لمثل هذه الأوضاع المعقدة بعيدا عن الإعلام، إذن ماذا بقي؟ ليست الإشاعة، فهي تنشأ وتختفي، بل المهم: ما هو الهدف منها؟ من يقف وراءها؟

لأن الإشاعة، في زمن التوتر، مثل الرصاصة، إذا كان هدفها معلوما، فإن المهم أن تعرف مصدرها، آه، بقي سؤال آخر أكثر أهمية: من يملك الأمن في المطارات يملك التسفير، وتلك قضية ألأخرى، لا أحب أن أساهم في الإشاعة التي أقاومها، بل في طرح الأسئلة الحقيقية، فتلك هي مهنة الصحافة،

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات