قلوب في جحيم: في أنطولوجيا فساد الصحافة التونسية،

Photo

كانت أعمارنا في الخامسة عشر عندما بدأنا نسخر من الصحافة التونسية ونحن في مبيت المعهد الفني بالكاف منذ عام 1980، "صديقي كتوم، إن الحب الذي جمع بين قلبينا..."، وكتوم السخيف هذا الذي كنا نسخر منه اسم مستعار لشخص يحتكم على صفحتين مخصصتين لتقديم العلاج المزيف للأرواح المريضة بقصص الحب السخيف في جريدة أسبوعية واسعة الرواج يوم الاثنين ولم يكن لدينا شك أنه يخترع بطريقة بائسة قصصا من رأسه ويجيب عليها من رأسه أيضا،

إنما كان ذلك في زمن تفشي الفساد الأول في الإعلام التونسي، وقبل أن يخترع الأمريكيون تلفزة الزبالة والتلصص trash tv التي ستصلنا في بداية الألفية مع الإعلام التجاري الوطني، ثم بعد الثورة مع تحويل دموع العاشقات واليتامى والزوجات المخدوعات إلى تجارة تلفزية في الفساد الثاني،

وفي تلك الجريدة أيضا، كان ثمة شخص يكتب باسم قيس قصص قضايا إجرامية تحوم كلها حول الاغتصاب والجنس المحرم بتفاصيل تدفع للهيجان تحت تأثير الهرمونات السيئة للمراهقة والحبس في مبيت المعهد، إنما رغم صغر أعمارنا، فقد كنا نحس أنها ثمرة خيال تعيس، فشل في الأدب والخيال لا غير فانتهى إلى الصحافة، وليست لكم فكرة عن التأثير السلبي لتلك المقالات المكتوبة بلغة ركيكة وخيال جاف لأشخاص لم يخلقهم الله للكتابة أصلا على الذائقة العامة للمراهقين وعلى ازدراء القراءة أصلا،

بره يا زمان وإيجا يا زمان، وتعود لنا تلفزة الزبالة، وأصبحت أنا في قلب مهنة الصحافة منذ أكثر من ثلاثين عاما وعرفت كيف تصنع قصص صديقي كتوم والقضايا الوهمية لزميلنا المريض قيس، وفيما تنحرف الصحافة في تونس عن دورها الأصلي في إعطاء معنى لما يحدث لنا ومساعدتنا على فهم هذه الأحداث العنيفة المتسارعة،

فإن الصحافة في تونس تعود إلى مربع الفساد الأول، إن السر المشترك في كل موجات فساد الصحافة الحالي أجده عمليا في خلق الله الذين لم يخلقهم الله للصحافة ولا حتى للكتابة، إنما تعلمت كيف أطرح السؤال الحقيقي: "من أتى بهولاء؟ من يتمعش من بذاءتهم" وفي النهاية من هو راس السمك الذي يبدأ منها الفساد الذي بدأ مع صديقي كتوم؟

الصحافة مثل السمكة، يبدأها الفساد دائما من رأسها، وأصل المثل من بحارة بحيرة فيكتوريا الحلوة في أوغندا، وأهالينا في صفاقس الذين هم أعلم أهل تونس بأكل السمك لا يجدون حرجا في قطع رأس سمكة السردين وأكلها وهذا لا علاقة له بأية فتوى تتعلق بالانتقال الديموقراطي وأي تشبيه قد ينتهي إلى التسمم،

وفرضا أننا شبهنا الصحافة بسمكة، فمن المهم أن لا تأكل رأسها من باب الاحتياط حتى إن كانت خارجة من البحر لتوها، فقد شهدنا أحداث تسمم نادرة بالسمك وبالصحافة أكثر،

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات