في الاستقواء بالأجنبي في الصحافة التونسية

علاقة نظام بن علي بالصحافة لم تخرج عن نظرة أي طاغية: مشكلة يجب ترويضها بتسويتها بالأرض، من يرفض بيت الطاعة هو خائن، يمكن أن يتعرض للضرب في الشارع أو الحرمان من العمل، فبعد أن رتب أموره وبدأ في تصفية معارضيه منذ 1991، أطلق "عملية إنزال جوي" في مجالنا الحيوي لقطعان من الأشخاص الغرباء الذين فشلوا في مهنهم الأصلية فأصبحوا صحفيين وكتاب رأي لا موهبة لهم غير شتم المعارضة مجانا ومدح النظام بمقابل، تزامن ذلك مع هجرة الكثير من الكفاءات الصحفية حاملة معها خبرتها وقدرتها على التأطير إلى مجتمعات اعتمدت الإعلام الحرفي لتتجاوزنا بعقود اليوم.

كنا شبانا شديدي الحماس إلى درجة التهور، وصف صديقي وزميلي شكري الباصومي تلك العملية وقتها: بـ"الاستقواء بالأجنبي"، الذي لا يفرق بين الخبر والتعليق، في استحضار لصورة من أتوا مع الجيش الأمريكي لحكم العراق بعد الغزو.

الطريف هي هشاشة الكثير من المنتمين إلى الإعلام الذين كانوا يتقاتلون للعمل مع وكالة الاتصال الخارجي في مدح النظام أو للحظوة بأحد الأوسمة القصديرية التي كان يوزعها على من ترضى عنهم مصالحه الغامضة، تصوروا: موظف في مؤسسة عمومية يحصل على وسام باسم الصحافة بدل الصحفيين، ثم تجاوز النظام الأوسمة إلى الفلوس في انتخابات 2009 وقبلها كان يوزع عليهم أراضي الملك العام ومقاسم البناء في أرقى الأحياء، "ياخي هي فلوسه؟ ماهي فلوس الشعب لمديح من هو في السلطة"،

في البداية كنا نتلقى بمعدل مرتين في الأسبوع مقالات جاهزة من مكتب في الرئاسة لشن حملات على رموز المعارضة، وكان أغلب الصحفيين يستنكفون عن وضع أسمائهم عليها فكانت تنشر دون إمضاء، ثم نظم جماعة بن علي "عمليات إنزال" لأشخاص يظهرون فجأة في عالمنا المهني، جاهزين لإمضاء مقالات شتم وتشويه وأخبار زائفة يتعفف عنها أسوأ صحفي لبذاءتها ولكونها تمثل جريمة فاضحة في قانون الصحافة،

وبالنظر إلى الحظوة التي نالها هؤلاء، فقد بدأ الكثير من الصحفيين يبدون رغبتهم في الولاء بالمسارعة إلى الفاكس للاستيلاء على المقالات القادمة من مكاتب الرئاسة وإمضائها بأسمائهم دون الاهتمام بالسخرية حيث يظهر نفس النص بنفس الأخطاء بأسماء مختلفة في أربع صحف محلية دون اعتبار العربية،

لكي تعرفوا الفارق بين أول زمن بن علي 1988 وعام 1991: كان أعوان المصالح المختصة يتوسلون أمام الأماكن التي تتم فيها اجتماعات المعارضة لجمع نتف أخبار، ثم أصبحوا يتذمرون من كثرة القوادين الذين يجلبون لهم تقارير كتابية مفصلة عن نشاط المعارضة، كان ثمة من يبيع بيانات المعارضة التي صدقت انتقال 7 نوفمبر إلى البوليسية ببونو بنزين، ثم أصبحت تلك البيانات بلا ثمن حين اخترقها الحاكم بأعوانه وقواديه وتحولت بدورها إلى دكاكين لتدبير الرأس، وهلك من هلك في السجن وهاجر من هاجر وصمت من صمت، وانتهت حرية الصحافة حقا باستثناء محاولات مناضلين لم يكونوا صحفيين بالمعنى الحرفي، لكنهم كانوا شجعانا لفعل ما نعجز نحن عنه، بعد أن انغلقت علينا علبة "الصنصرة الذاتية"، كتب أحد صحفيي جريدة لوموند عائدا من تونس أنه لم يجد أصلا أحدا يتحدث معه، وأن غطاء من الرصاص نزل على الحريات في تونس، chape de plomb، (وسيلة تعذيب من القرون الوسطى)، قال لي مرة أحد هؤلاء القوادين إنه رغم كل ما بذله في مدح الرئيس وشتم خصومه، لم يفلح في الوصول حتى للصف الثالث من الولاء، قيل له: "بره قود بعيد، عندنا غيرك ينتظر دوره منذ أعوام"،

خلاصة أولى: أحد هؤلاء، ممن اكتسبوا لحم أكتفاهم ونياشينهم من شتم المعارضة ومديح الطاغية قال إبان الثورة إنه مستعد لتقبيل قدمي سهام بن سدرين مقابل أن تصفح عنه، اليوم أصبح مطمئنا، وهو مستعد للعودة إلى شتمها مجانا، هكه، نوعه هكذا ومنه كثيرون،

خلاصة ثانية: اليوم نفس الشيء، عشرات من قطعان الغرباء تستقوي بهم الكثير من المؤسسات الإعلامية على الوضع، أغلبهم موظفون في مهن أخرى، شهريات قارة مع منح تصل إلى أجور خمسة وعشرة صحفيين محترفين، مقابل ماذا؟ إذا هم صحفيين فنحن ماذا إذن؟ ياخي جديدة الحكاية؟

هل كان اللجوء إلى سفارة أجنبية خيانة؟

وما دمنا في زمن بن علي، "هــــــــــــــــاكه العام" عندنا صديق قفصي أكثر طرافة من مسرح قفصه نفسه، قال عن هجمة أعوان الحاكم على الصحفي توفيق بن بريك عندما كسروا أطرافه بطريحة شنيعة حيث يسكن: "دين السماء، يريدون أن يدفعونا إلى أن يصبح اللجوء إلى سفارة أجنبية عملا وطنيا"، قلنا له كيف؟ قال: "على الأقل، عندما تتعرض إلى الاعتداء، تقول واك، العالم يسمع بيك ويسارع إلى نجدتك بدل أن تهلك في صمت"، توفيق كان على اتصال بجمعيات أوروبية حقوقية قلبت العالم على رأس بن علي لأجله وأنقذته من مصير سيئ محتمل جدا، حين يوسعون بالهم معك يقولون لك إنها تعليمات، والقانون؟ أنا قانون متاعك؟ هذه تعليمات،

نظام بن علي كان يعتبر الأنين جريمة، حضرت للمحامية الخالدة راضية النصراوي ترافع للمرة الثالثة عن متهمين أبرياء أمام القاضي الشهير محرز بوقة بسبب محاكمتهم للمرة الثالثة من أجل نفس تهمة الاحتفاظ بجمعية غير مرخص فيها، قضاء التعليمات، لمن تلجأ "حبة القمح إذا كان القاضي دجاجة" على رأي ذلك الطفل الذي يستقوي به النظام الجديد؟ ياخي ما نتعلموش من الألم؟

عندما يتعرض الإنسان إلى التعذيب والقمع والحرمان من الحقوق الأساسية والانتظار ساعتين صباحا ومثلهما مساء للإمضاء اليومي في مركز الشرطة وكل مرة يصكه أحد الحمير بكف أو ركلة "هكه لوجه الله" والتبرؤ منه بالتقرب لمن يرسل التعليمات، عليه أن يضم فمه ويبتلع لسانه، وإذا اتصلت به منظمة حقوقية دولية، فعليه أن يطرد ممثليها ويشتمهم ويجمع الجيران والشهود لذلك، وإلا مشى فيها،

أحدهم قال لي مرة ما معناه: "الوطنية ثقافة، أما البقاء على قيد الحياة وحماية أبنائك وزوجتك فهي غريزة تشترك فيها مع القط والكلب والحنش والخروف، إزاء الحياة وحماية أبنائك وشرفك، ليس هناك ثقافة، ما معنى وطن أصلا؟"، أضاف: "واحد ضارب أرض دولة بميتين مليون يحب يعلمني الوطنية ورفض الشكوى لمنظمة أجنبية وأنا معاقب بالمنع من العمل والمراقبة المدنية مرتين في اليوم واقتحامات البوليسية لبيتي في الفجر ثم يتهمني بالخيانة لأني استنجدت بقناة تلفزية عربية أو منظمة سويسرية؟"،

لم يكن الأنين فقط جريمة، حتى مديح النظام كان امتيازا يمنحه لذوي الحظوة، ووصل به الأمر حد اعتبار التصريح لأية وسيلة إعلام أجنبية جريمة خطيرة تؤدي إلى السجن مباشرة، بعد أن جعل جماعته من الغرباء عن الصحافة أغلبية حاكمة ودجّن الصحافة المحلية تماما، فهل حمته في وقت الشدة؟ هل دام له المنافقون والزنوس؟

الدرس الأول في الديمواقراطية: (أحب حمة الهمامي في الأزمات)،

هذيكة قوة حزب العمال (وقوة أي حزب وطني)

حمة: أنا اطلعت على الملف كيف ما اطلعتوا عليه أنتم، قلي؟ نور الدين البحيري، تشد على ملفات متاع تسفير أو تهجير؟ علاش تشد سي خليفة؟

سي خليفة (مترددا): "مازلنا توه..." (في أوقات أخرى كان متأكدا من تورط نور الدين البحيري في قضايا خطيرة تهم أمن الدولة والإرهاب)،

حمة: لا أنا نعرف، دوسيه، المرسوم 54 على تدوينة، هذا الي التوانسية ما يعرفوشه، قريته الدوسي، فيه أش وستين صفحة،

عبد الحميد الجلاصي علاش تشد، عبد الحميد الجلاصي إلي هاجمني أكثر من مرة، لكن وقت إلي شفت كيفاش هجموا على داره وروعوا مرته وصغاره تذكرت راضية وبناتي، ما عندكش حق تعمل هكاكه، هذيكه الفاشية تعمل هكاكه، اسمعني: إلي يعملوا هكاكه، يعمله معايا، هانوا عملوا مع الجلاصي، غدوة يعملوا مع لطفي مع خليفة ومع ملاك إذا غدوة ما نتصاداولوش،

لأن قوتك أنت مش في ملاك صديقتي ندافع عليها، ولطفي مش صديقي لا، الظلم هو ظلم، نحن مع دولة القانون…

قلي: الشواشي نعرفه ناضلت معاه؟ الشواشي يتآمر على أمن الدولة؟ عصام الشابي إرهابي كبير؟ جوهر بن مبارك إرهابي كبير؟ امشي للرسمي، قول غازي الشواشي شاده على خاطره ضدي

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات