في مناقشة المحاكمة العسكرية تحت موسيقى الترمبيطة كريرو:

"الدائرة الجناحية بالمحكمة العسكرية الدائمة بتونس" (ما أخطر اسمها كأننا في حالة حرب أو انقلاب أو بصدد خيانات عسكرية)، تؤجل النظر في قضية "اقتحام" مطار قرطاج، زميلي المتلحف بالنضال وبمهنة الصحافة: القضية ليست هنا، بل في تنازع الصلاحيات، وفي طرح الأسئلة الحقيقية في مهنة الصحافة أم أن "قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار"؟،

لأن محكمة أصلية نظرت في الشكل والأصل وأصدرت أحكامها، ويفترض أن لها الأولوية في النظر وأن المحاكم العسكرية، من حيث المبدأ، محاكم استثنائية وغير دستورية وأن أجيالا من المحامين ومناضلي الحقوق أفنوا أعمارهم في منعها من محاكمة المدنيين في قضايا الرأي،

لكن المحاكم العادية "متنابزة" مع القضاء العسكري ولا تكلمه لذلك لم تعلمه النيابة العمومية باتصالها بالدعوى لكي يتخلى القضاء العسكري عن تتبع المدنيين، لذلك سيقوم محامو الدفاع بإعلامها لكنهم لا يضمنون في هذه الظروف الشاقة شيئا، غير ذلك، نحن نشهد أول محاكمة مزدوجة في العالم: أن يحاكم الإنسان من أجل نفس الموضوع مرتين في نفس الوقت، بقطع النظر عن شرعية الدعوى،

ومن حيث المبدأ والشكل والأصل والوقائع، ليس في حادثة المطار أي مدخل للقضاء العسكري، ولا مبرر لوجاهة قفز الإدعاء العسكري على الحادثة وجلب نواب شعب يحظون بالحصانة وإيقافهم لمحاكمتهم أمامها في مخالفة لكل قوانين الإحالة والإدعاء والفصل بين السلط،

وكان في مقدور وكيل الجمهورية، حارس الحريات والحقوق أن يعترض على الإحالة العسكرية وأن يقف بالسلطات المطلقة على الإجراءات وعلى أعوان الدولة التي خولها له الدستور ومجلة الإجراءات الجزائية العريقة ضد الإجراءات العسكرية كلها، لكن قاضي تحقيق عريق اختزل العلاقة مع القوة الغامضة والخفية في الدولة للتعليمات في أنه يصدر قرارات جلب أو إيقاف لا ينفذها أحد من أعوان الأمن، لأن رئيسهم الحقيقي هو وزير الداخلية،

أما محاكمة النواب مرتين من أجل نفس الموضوع الخاطئ من حيث الشكل، فهي ستبقى حادثة تاريخية للقضاء في تونس، وليسمح لي السادة فقهاء القانون الجزائي: ما اطلعت عليه من ملف هذه القضية لا يستحق حتى ملف دعوى في تبادل العنف الخفيف أمام محكمة الناحية، فما بالك بالمحاكمة أمام المحكمة العسكرية الدائمة (تصور الموسيقى العسكرية والانضباط والترمبيطة كريرو)،

حسنا، إذا قلت لي تعليقا على هذا النص، كالعادة، إني أدافع عن جماعة ائتلاف الكرامة والدواعش والإسلام السياسي، فأقول لك: "إذا فاتتك الرجولة في وقتها فحاول أن تصمت لما بقي من عمرك"، إذ لا معنى اليوم، بعد أن قضيت أكثر عمرك في مديح الطاغية مجانا وشتم خصومه بمقابل سرا وعلانية، أن نعلمك أن الكرامة تشمل كل المواطنين، وأولهم خصومك، وأن المحاكمات العسكرية للمدنيين آيلة إلى الزوال، وأن الشعوب، أيا كانت عثراتها التي يسببها لها أمثالك، فهي تتقدم، أيا كانت التضحيات،

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات