في جريمة الوقوف على أطراف أصابع القدمين

أنا أقلب كلام السيد الرئيس على كل وجوهه: "التطاول على الدولة ورموزها" فلم أجد له معنى، قانونيا ليس هناك جريمة اسمها التطاول. والتطاول هو أن يقف القصير على أطراف قدميه لتقارب قامته قامة الأطول منه تحديا له، من حيث المبدأ يقوم على قصير محتقر بتصنيف أدنى مقابل طويل معتبر، مثل علاقة العبد بالسيد وليس على عدالة الحقوق أو أن الحق هو الأطول والأعلى،

وعلى ذكر حكاية التطاول، ففي بداية التسعينات، اشتكاني مدير شؤون قانونية بمؤسسة عمومية شهيرة إلى وكيل الجمهورية بعد أن نشرت مقالا عن فساد في صفقة حبوب وإيقاف عدد من المسؤولين في السجن، استدعاني وكيل الجمهورية إلى مكتبه وكان يبتسم: "الراجل شاكي بيك من أجل التطاول على مؤسسة عمومية"، وهي تهمة لا وجود لها في القانون،

وفي نفس الحكاية أيضا، أذكر أن وزير الداخلية السابق ناجم الغرسلي قد هدد في تصريح صحفي بمحاكمة "كل من تسول له نفسه التورط في التطاول والمساس بقادة وزارة الداخلية"، إيه عاد، من بعدها، حين يضيق صدر الحاكم بانتقادات الرأي العام لسلوكه، يدورها لنا "تطاول"، يعمل انتخابات بـ 8.8 بالمئة من الناخبين ثم يحارب الباقين من أجل جريمة الوقوف على أصابع أقدامهم للاقتراب من قامته المقدسة،

في صحافة "رأي عام الجوائز والمسابقات"

في زمن الديمواقراطية الشعبوية التي سمح بها العسكر التركي أوائل التسعينات، انتشرت الصحافة السخيفة مثل التي عندنا اليوم، ولأنها لم تكن تملك مشاريع لإنتاج صحفي "يعطي معنى لما يحدث لنا" فقد استعانت على الناس بإغراء الجوائز والمسابقات منذ الفجر من نوع: "فاجأ حبيبتك بسيارة رباعية الدفع هذا الصباح"،

وبلغ الانحدار في التنافس على جلب الجمهور وبيع الصحف الورقية حد أن صحيفة أسبوعية عرضت هدية "صابونة ممسكة" مع كل صحيفة تشتريها وخلف ذلك تعاليق موحشة غير أخلاقية وقتها أترفع عن ذكرها،

وهذه سابقة عالمية في الخيبة الصحفية حين لا تملك الصحيفة القدرة على إنتاج مقالات حقيقية، لأن عروض الجوائز والمسابقات هو شغل السيرك واليانصيب وشبكات القمار ويفترض أن تكون معادية لعقل الصحافة في القيام بدورها، لكن في المجتمعات المريضة، ثمة دائما من يوهم المؤسسة الإعلامية بأن الجمهور غبي طماع لا تجلبه سوى الجوائز وليس الصحفيين الجيدين. تصوروا لحظة أن صحيفة لوموند مثلا تعلن عن مسابقة؟ إذاغة البي بي سي تعد مستمعيها بألف جنيه استريليني لمن يجيب عن سؤال أين توجد ساعة بيغ بان؟

الجميل في درس الصحافة التركية أن كل تلك المؤسسات تكسرت خلائقها ماليا وأفلست إلا القليل الذي عاد إلى أصل تعريف مؤسسة إعلامية وصحافة وهرب الذين كانوا يدبرون عليها بالجوائز والمسابقات، أنا أكتب لكم هذه الحكاية لأننا في تونس نعاني من نفس الظاهرة، لأن من يقفون وراءها لا يقرأون، لا التاريخ ولا الجغرافيا، فقط يرون الرأي العام مثل سوق أسبوعية، تدبر فيه رأسك كيف ما تريد قبل أن ينفض السوق عند منتصف النهار،

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات