الفاغنر تليق بنا،

بقطع النظر عن احتمال المسرحية بين بوتين وطباخه السابق بريغوجين، الجيش الروسي ليس تلك الأسطورة التي يتصورها بعض المولعين بالزعماء الدمويين والأحذية العسكرية من العالم العربي، هو جيش غير متماسك، فقير في المعدات والذخائر والتقنيات الحديثة وطرق إنتاج القرار حتى أنه استنجد بالتقنية البدائية في المسيّرات الإيرانية الانتحارية الرخيصة لمهاجمة المدنيين بدل ما كنا نتوقعه من صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى شديدة الدقة قادرة على فصل المعارك الأرضية،

لكن ثمة خلاصات أكثر عمقا في ما حدث: أقام بوتين، مثل أغلب الحكام العرب، نظامه على الولاء المطلق لشخصه بصفته سيد القوى الصلبة، خريج المخابرات السوفييتية التعيسة KGB التي انقسمت إلى عدة مصالح لم ترث من المؤسسة الأم سوى القمع الدموي واحتساب أنفاس الناس: Spetsnaz الفرع العملياتي للمخابرات العسكرية الروسية ثم FSB أي القوات الفيدرالية التي عملت على قمع كل حركات الحرية والحكم الرشيد، أشرف بنفسه على اغتيال كل خصومه في الداخل أو الخارج حتى بمادة البولونيوم المشعة مقابل غياب أية خطة اقتصادية أو تكنولوجية لبلده الذي ينتج كميات مهولة من الغاز والمحروقات كان يمكن أن تصنع مجد وثراء الشعب الروسي لكنه قسم عائداتها على حلفائه في تحالف المافيا المحلية مع المخابرات العسكرية،

هذا مقابل خنق أية فكر حر وفرض جفاف وتصحر فكري وسياسي وإنساني خارج حق الأكل والشرب والإدمان، حيث يستحيل أن تسمع بنقد للرئيس وهو يخترع الطرق للبقاء في الحكم المطلق منذ ربع قرن تماما كما يحلم الحكام العرب وأغلق على نفسه طرق الخروج من السلطة إلى أن يموت بطريقة دموية،

وهذا ليس مشروع حكم أو إقامة دولة بقدر ما هو مشروع تحالف مافيا، لذلك تجرأ عليه أحد المحظيين من نظامه والطامعين في أمجاد الأحذية العسكرية والمليشيات المرتزقة المطلقة من خريجي السجون والمرضى الدمويين، لأنه يدرك أن الجيش الروسي أصبح شبحا مريضا لا يملك عقيدة أصلا ولا يشترك مع بوتين في أي شيء سوى السلطة الغاشمة وأن مئات الجنرالات العاطلين يتساءلون عن معنى الخضوع للمافيا المالية المخابراتية في بلادهم حتى أن السؤال بين الخبراء كان حول عدد الجنرال الذين سينخذلون أمام زحف مليشيات فاغنر،

وهذا درس للمرضى في العالم العربي الذين يرون بوتين زعيما صاحب قضية ولمن يتوهم أن اغتصاب السلطة يصنع دولة ومجتمعا متماسكا، الفاغنر والخيانة تليق بكم،

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات