إنها ذاكرتي الموجعة: انتحر وانتهت القصة، فهل تنسى؟

عندي مشكل مع الأشياء غير المرتبة في ذاكرتي رغم بعدها، عن شاب أعزب في الخامسة والعشرين، أستاذ تعليم ثانوي، يعتب عليه أهله أنه كان سكيرا منذ أول منحة طالب في جامعة منوبة، أخته الأكبر منه تزوجت إسلاميا منتظما وأنجبت منه ثلاثة أبناء تم إيقافه في السجن فكان طبيعيا أن يأخذ كل أسبوع قفة خضرة وشوية ياغرت وحليب وعلب طماطم إلى بيت أخته، جزء صغير من كلفة السكرة بدل أن تموت أخته وأبناؤها جوعا،

لكن ذلك حدث زمن تنافس المسؤولين في الأمن على المزيد من القمع بأعداد الموقوفين بالتآمر على أمن الدولة والانتماء إلى التنظيم الهدام وبقية القصة، هذا التنافس ينتقل سريعا إلى الوشاة والقوادين من جماعة الشعب وقتها وبقايا لجان اليقظة والطامعين في رخص لواج ودخان وقهوة واحتكارات الثروة عند الدولة، عندما أرسلوا الجميع إلى السجن، تذكره أحد القوادين فوشى به فأوقفوه من أجل جمع التبرعات للإسلاميين بدون رخصة، "آهي راهي أختي الكبيرة؟ نخليها تموت بالشر؟"،

قضى ما قضى في السجن وعندما غادره وجد نفسه مطرودا من العمل في وزارة التربية، تجمعت العائلة حوله كل واحد شوية فلوس لكي لا يضيع واستأجروا له حانوتا في حي شعبي لبيع الدجاج، بعد شهرين، جاء جماعة معروفون من الحزب وسكبوا البنزين تحت الباب وأشعلوا النار في الحانوت فمات الدجاج وفسدت السلعة، أي؟

"مشى عمل فيها سكرة خرافية" في مدينة الكاف حتى خرج من عقله، عاد وحيدا إلى غرفته حيث لا شك أنه قرر الذهاب إلى الله على حالة الأسى تلك لكي يروي له قصته، أخذ معه ملفه كاملا ولم يعد هناك أية فرصة لمراجعة الأمر، في الصباح الموالي وجدوه مشنوقا، انتهت القصة العبثية وكأنها من تأليف كافكا، فهل تنسى؟ هل أجد لها ترتيبا في ذاكرتي؟ هل تمت فيها عدالة بشرية؟ الملف أصبح عند الله،

ربما يقرأ أحد المساهمين في محنته أو في محنة أي أحد عندما تقرر السلطة أن تطلق عليه ماكينة الدولة فترحيه رحيا عبثيا جنونيا، هل للكتابة والشهادة معنى؟

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات