من الفيروس إلى الحكومة…

Photo

لا يمكن أن نقاوم أي احتمال تهديد لفيروس كورونا بالخرافات، ومنها أن حرارة الطقس غير العادية هذه الأيام قد أنقذتنا منه بحجة أنه لا يعيش في الحرارة المرتفعة، هي أساسا حرارة الجسد البشري 37 درجة، سواء في الصين أو في الصحراء التونسية، أي أعلى بأكثر من عشر درجات من الطقس،

المشكل الأكبر في هذا الفيروس أن فترة الحضانة في الجسم البشري قد ترتفع إلى 27 يوما، يعني لا تظهر العلامات النهائية للإصابة به إلا بعد أربعة أسابيع، وعليه لا يمكن رصدها لا بالكاميرا الحرارية ولا حتى بالفحص السريري، وهذا ما يفسر ظهوره في عدة مجتمعات ذات مراقبة صحية عالية،

أعتقد أن أقوى طريقة في تونس لمقاومة خطر العدوى هي السخرية التونسية الشهيرة، فنحن لم تقض علينا سلسلة الحكومات السيئة التي اجتهدت في جعل حياتنا شاقة وأحيانا مستحيلة، حتى أصبح الواحد منا عنده سبع أرواح،

نحن مجتمع يعاني من هشاشة فادحة في الاتصال ومن نقص المناعة ضد الفوضى الإعلامية، وهذا عائد إلى أن المشعوذين وقارئي الكف أكثر من الصحفيين الصناعيين والاتصاليين الذين يعرفون ماذا يقولون في هذا البلد، يكفي أن تسمع الرقص اللغوي والسلوكي في الكثير من الإذاعات من صباحك يا ربي حول فيروس كورونا لتدرك أن أكثر ما نفتقده في مثل هذه الأزمات هو صوت العقل والعلم والموضوعية وثقافة إعلام الأزمات.

لقد أثمر وجود هؤلاء المشعوذين الذين يتعمشون من خلط الشيء الوحيد الذي يتقنونه وهو الفذلكة الماسطة بالحقيقة، قائمة طويل من "الأكاذيب الحقيقية" التي تصعب مقاومتها، وفي ظل ما يحدث في إيطاليا، فإن أكثر ما أخشاه هو أن يعمد ذلك الولد الشرير إلى نشر سبر آراء يزعم فيه أن 101.9% من التونسيين يموتون خوفا من فيروس كورونا وأن 96.3 % منهم قرروا قطع علاقتهم مع جيرانهم وأصهارهم وزملائهم في العمل خوفا من العدوى،

وهي واحدة من طرق زرع الرعب بغرض إعادة توزيع السلطة التي لا يهمهم غيرها، لأن الاستثمار في الخوف، تاريخيا، هو أفضل الطرق لقمع الناس أو ابتزازهم، وإن لم يكن هناك مبرر للخوف فيجب اختراعه والاستثمار فيه، غير بعيد في تاريخنا الاتصالي الحديث: فضيحة الكسوف عام ألفين، حين اختفى التونسيون في بيوتهم بين الرعب الغامض والخوف من نهاية العالم بسبب كسوف شمسي طبيعي لم يدم سوى بضعة دقائق،

يجب أن يقود أحد ما حربا إعلامية لإنقاذ مهنتي الصحافة والاتصال من الشعوذة، حبا في الله وفي هذا الوطن،

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات