شنية ظاهرة تزاحم المراهقين على كتب "أسامة مسلم"؟

أنا عندي صعوبة في تصديق محتوى الفيديو عن معرض الكتاب الذي يقتله الملل بالأمس حيث من الصعب أن يجمع أفضل كاتب عشرين شخصا في ندوة: "ازدحام شديد في معرض الكتاب بسبب حضور حفل توقيع كتب روائي سعودي اسمه أسامة مسلم"، من هو؟ ولماذا يتزاحم المراهقون على كتبه؟ ثمة فيديو آخر عن معرض في المغرب تحول فيه هذا الكاتب إلى ظاهرة اجتماعية تشبه مغنيي البوب أو الراب في أمريكا ومراهقون يكاد يغمى عليهم لرؤيته فما بالك بالحصول على إمضائه؟

السؤال الأول هو: هل ثمة عالمان مختلفان، واحد أعيش فيه أنا وأمثالي لم نسمع فيه بالسيد أسامة مسلم وعالم آخر يعيش فيه المراهقون يتزاحمون على كتبه؟ هل ثمة فلتة أدبية لم ينبهنا إليها أحد؟ من هو أسامة مسلم صاحب هذه الظاهرة؟ وماذا يكتب أصلا لكي يحظى بكل هذا الحماس؟ وبأية طريقة تم تجميع كل هذه الفئات الهشة التي، أنا متأكد أنها لم تقرأ مارسيل بروست "البحث عن الزمن المفقود"، جايمس جويس "أوليس"، ديستوفسكي "الإخوة كارمازوف"، ماركيز "مئة عام من العزلة"؟ وقبل ذلك نجيب محفوظ في "القاهرة الجديدة"؟

السيد أسامة مسلم لم أسمع به أبدا، بدأ النشر في 2015 وصدرت له 26 رواية ضمن أربعة سلاسل، (ملا لعب: أكثر غزارة من أفضل الكتاب عمقا)، لماذا لم نسمع به؟ أكثر مبيعاته من سلسلة "خوف". عادة، الاستثمار في الخوف هو اختصاص السينما الأمريكية لأسباب تجارية فجة وقبيحة، تتذكرون السينما الأمريكية عن الكائنات الفضائية والخرافية؟ عن الأرواح الشيطانية التي تتملك البنت البريئة الجميلة؟ هذه هي، استعادة الرعب مما لا نعرفه ولا نقدر على إثبات شيء منه مقابل الخوف الحقيقي اليومي وهي الحروب، الصواريخ التي تأتي من السماء من عدة آلاف من الكيلومترات لتقضي على مئات البشر من الأطفال والنساء، خوف الأم في غزة من أن يموت أبناؤها أمامها جوعا أو عطشا، خوف الناس من الظلم والموت تحت التعذيب في سجون العالم العربي، لذلك سيتم اختراع الخوف من الجن والقدرات الخرافية في عالم الذكاء الاصطناعي والحواسيب العملاقة وبرامج استكشاف الكون، على الأقل بالنسبة لنا كمسلمين لا ننكر وجود عوالم أخرى في الملائكة والجن، لكن هذه مسألة عقائدية لا علاقة لها بالحياة اليومية وفي أغلب الحالات هي مثيرة للسخرية أكثر من إثارة الاهتمام ومن الصعب أن نخترع لها أصولا روائية خارج إطار الخرافة،

حسنا، ماذا يكتب أسامة مسلم؟ قرأت له رواية "الخوف، إصدار الذكرى العاشرة" ويفترض أنها الطبعة العاشرة من هذه الرواية ذات 421 صفحة من الحجم الصغير والسطور المتباعدة التي يفترض أن تكون في 200 صفحة من الحجم المتوسط، احتجت إلى كل الفضول الذي خلقه الله لكي أصبر على القراءة إلى حدود الصفحة 41، لغة مدرسية تقريرية شديدة البساطة أشبه بمادة الإنشاء في امتحان في أول الثانوي، خالية من الشعرية والخيال والإبداع، وكأنها وصف تقريري من تلميذ متوسط المعارف لحياته اليومية بعد أن عاد من أمريكا التي قضى فيها طفولته واكتسب ثقافته الساخرة من معتقدات المجتمع السعودي، شيء لا يستحق التخليد في كتاب أو عمل أدبي،

عموما: أسلوب كتابة لأطفال لم يكبروا رغم تجاوز سن المراهقة وظلوا رهائن مخاوف الصغر أو لم يعالجوا رهاب الطفولة بدءا من الخوف من الكافار والفأر وصولا إلى العبيثة، إنما دون تحويل تلك المخاوف إلى صور أدبية أو إعطائها معنى يستحق أن يطبع في رواية. إننا نمتلك تراثا رائعا من العلاقات الخرافية بين البشر والجن الحن منذ 14 قرنا، لكن مجرد توظيفها للاستثمار في الخوف هو عمل تجاري سخيف،

إذن كيف نفسر هذا الهوس الشبابي بهذه الظاهرة غير الأدبية؟ في أن أبناءها يأخذون معارفهم عن هذا العالم من غير طرقنا، في مواقع التواصل الاجتماعي حيث الناس لا يقرأون إنما يندفعون إلى الانتماء إلى ظواهر القراءة وحيث تصنع الخواريزميات ظواهر شبه أدبية عابرة،

إن هذا لا ينفي عن واقع الروايات العربية أنها مملة جدا ما تزال رهينة مجموعات محدودة من الأسماء التي تنشر أدبا رديئا لا يتوفر فيه حتى التسلية، كائنات لم يخلقها الله للسرد أصلا، لكنها تحوز على رئاسة لجان الجوائز هنا لمنحها إلى أصدقائهم مقابل نيل جوائز هناك حيث يترأس أصدقاؤهم لجانا أخرى، حيث السادة النقاد مجندون لكتابة مقالات مديح ركيكة لروايات أصدقائهم وحلفائهم في المهرجانات الأدبية،

أية رواية عربية حاصلة على جائزة حازت على ترجمات إلى لغات البشرية السائدة أو تم تحويلها إلى الدراما؟ في تونس تطبع الروايات الحائزة على الجوائز 500 نسخة في مجتمع يعد 12 مليون مواطن فيهم أكبر نسبة من الدراسين والجامعيين، نحن ننتج ظواهر غريبة عن الأدب والفن، كل المجتمعات تفعل ذلك لكن لا يكون ذلك عمادها الحقيقي في الثقافة، بل في وجود بدائل إبداع ثقافي حقيقي، يا لوعتي على ثقافة بلدي،

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات