تعالوا أحدثكم عن إصلاح الصحافة أو السياحة الأوروبية في الصحافة

الاتحاد الأوروبي يعلن عن آخر ميزانية لدعم الإعلام التونسي بـ 4.5 مليون أورو (15 مليون دينار)، لن يذهب منها مليم إلى أصل المشكل في الإعلام التونسي الذي لا يعاني من قلة التمويل بل من مشكلة هيكلية سوف أبينها لكم، إن أي "بلاتوه" إعلامي في قنواتنا يترك لكم انطباعا بأن الصحافة الوطنية رديئة يمثلها أشخاص لا علم لهم، فاسدون متحالفون مع من هو في السلطة والمال، لكن الحقيقة أن الصحفيين هم ذلك النمل العامل في صمت لجمع الأخبار ومتابعة الأحداث على الميدان والاتصال بمن لهم علاقة بها، وإذا استثنينا القطاع العام، فإن ثلاث أو أربع مؤسسات خاصة فقط تدفع أجورا معقولة للصحفيين، الباقي يعيش على معدل أجر لا يتجاوز 600 دينار دون أية حقوق أخرى مع تأخير ممثل وقاتل للرغبة في العمل، وهو واقع لا يوحي بنقص في الحرفية الصحافية بل بفساد صاحب المؤسسة وهو ما لا يمكن إصلاحه بفلوس أوروبا كلها، لنتحدث عن أزمة الأعلام؟

أنا مثلا، تلقيت تكويني الصحفي الحقيقي في مؤسسة دار أنوار تحت حماية ملاحق قانون الشغل الخاصة بالعمل الصحفي الذي لا يتحدث عليه أحد أبدا (كان نور الدين الطبوبي نصيرنا في الاتحاد الجهوي وعمار الينباعي متفقد الشغل الأول)، وحيث على المؤسسة الصحفية أن تجبر الصحفي المحترف أن يعلم زميله المتربص لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتجديد تحت إشراف شخص محوري معرّف في قانون الشغل وهو رئيس التحرير الذي يفترض أن يقضي في مختلف مراحل المهنة 17 عاما في المعدل، يعيش فيها كل التجارب الصحفية الصناعية من الكوارث والفيضانات وحملات القمع والانتخابات المزيفة أو الحقيقية وغيرها من التجارب المهمة في خبرة صناعة القرار الصحفي والبرمجة للتغطية وإدارة ما لديه من كفاءات،

في أوروبا لا يصبح الصحفي رئيس تحرير دون أن يكون نشر خمس أو عشر كتب عما عاشه لأنه جزء من ذاكرة الوطن ورؤية ثاقبة شاهدة على ما حدث، وهكذا، يكتسب رئيس التحرير تلك القوة المهنية المعنوية التي تجعله قادرا على إدارة مؤسسة إعلامية كما يدير كبير الأطباء عمليات الجراحة في مصحة خاصة،

فهل من حق مالك المصحة بالوراثة أو الفلوس أن يدير العمليات الجراحية مثلا؟ طبعا لا، لأن ما عندنا في تونس، أن صاحب المؤسسة الإعلامية هو الذي يقرر المحتوى التحريري وهوية الضيوف ويطلب حملات إعلامية ضد ومع، وفق مصالحه، مع الخلط المتعمد بين الصحافة والإشهار وكثير من المحسوبين على الصحافة يستسلمون لفلوس الإشهار في برامجهم مع مناطق غموض واسعة بين مهنة الإخبار والإشهار.

عندما طالبنا، في بداية الألفية "الفصل بين الإدارة والتحرير" كما رأيته في صحف فرنسية أجريت فيها تربصات متتالية ورأيت فيها النار تقدح في اجتماعات التحرير لحماية الموضوعية الصناعية، قال لنا عمي الراجل المهم وقتها: "هذا بالدبابات، مثل نهاية ربيع براغ"، أيا كان الأمر، انتهت الفكرة مثل نهاية ربيع براغ، ورغم التمسك بها وبالمبدأ وقتها في نقابة الصحفيين فقد ذبحت تماما بعد الثورة، ضاعت في متاهات المعارك الجانبية في ميدان معركة مهنية بحتة، لعدم الاختصاص ونقص الخبرة وعدم الاهتمام، النتيجة ما ترون،

إذن، ماذا يمكن أن تفعل الفلوس الأوروبية في إصلاح الإعلام التونسي طالما لم تتوجه إلى حماية العمل الصحفي وفصله عن رغبات الإدارة؟ لقد كانت فلوس التدريب الصحفي الأوروبية في تونس مرادفا لإجازة فاخرة وإقامات في النزل وسفريات أوروبية للمقربين من السفارات، أذكر أن أول دورة حضرتها في بداية التسعينات للفلوس الأوربية كشفت أن صحفيا معروفا وقتها هرب بالمعدات وبجزء من الفلوس وضعها في بيته،

وسمعنا أن المسؤول الأول على البرنامج مشى يبحث في محكمة مرسيليا، لكن الأوروبيين يستمرون في تكوين الصحفيين الذين لا يعملون لأن عروفاتهم لا يريدون ذلك، ثم يصنعون مكونين لتكوين الصحفيين حتى أصبح عدد المكونين في تونس أكثر من عدد الصحفيين بحكم تسرب الكثير من الدخلاء على برامج التكوين، تلقاه أستاذ ثانوي أو معلم، لكنه مكون في صحافة الاستقصاء يا دين السماء التي تحتاج إلى المرور بتجارب يومية على مدى أعوام في ممارسة صحافة الخبر والتقرير الصحفي والحوار حتى يصل إلى الاستقصاء، لكن عنده شهادة تكوين في صحافة الاستقصاء، إيه؟ والنتيجة عمي الراجل؟ هل فكرت يوما في تكوين أصحاب المؤسسات في أهمية ووجاهة الفصل بين الإدارة والتحرير وفي وجوب احترام قانون الشغل وملاحق الاتفاقيات المشتركة بين الدولة والمؤسسات الإعلامية؟

بقي موضوع آخر، أنا معني به اليوم أكثر من غيره، وهو الإعلام العمومي، هذه مصيبة الدولة ما بعد الثورة، إنهاكه حتى الموت هو هذا اختيار حكومي،

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات