عندي قناعة مهنية اجتماعية أن جماعة النهضة يعانون من الفشل المزمن فيما يتعلق بالعلاقة بالإعلام كفكرة وكمهنة، هم مستعدون للتطبيع مع أي شخص يعرض عليهم مساحة تعبير بشروط الأعزب على الهجالة أحيانا للخروج من الضيق الإعلامي، وهذا قديم، ففي زمن فوزهم بأغلبيات شعبية، اختاروا من تلقاء أنفسهم منح "الوجاهة" لبعض أسوأ أعدائهم في الإعلام باسم "إصلاح الإعلام"، دون أن يسألوا عما إذا كان الذين اختاروهم مجرد دجالين مشعوذين لا علاقة لهم بمهنة الإعلام،
لقد حدثت "متلازمة ستوكهولم" لدى النهضة منذ أول الثورة حين فشلت جريدتهم الفجر الأسبوعية في بيع نسخها للحد الأدنى لتغطية كلفة الطباعة، حيث يفترض أن تبيع أكثر من 100 ألف نسخة وأن تتحول إلى جريدة يومية، الشيء الوحيد الذي ينقصها هو الإيمان بأن الصحافة مهنة فيها علوم، تتالي عليها رؤساء تحرير لا علاقة لهم بإدارة مهنة الصحافة، أعطوا مثالا أوليا على الفشل الإعلامي، كنت أتوقع أن يستغل جماعة النهضة تقدمهم في الانتخابات ودخول السلطة لصنع صحافة حرة مهنية مستقلة، تنقدهم إلى العظم لكنها لا تظلمهم ولا تكذب عليهم،
ثم عمل سي لطفي المفكر الاستراتيجي لحركة النهضة حركة اكبس التي زرعت رعبا معمما من النهضة أدى إلى موجة تحالف مهنيي الصحافة ضدها من حيث المبدأ، كانت حماقة سياسية لا علاقة لها بمسائل المجتمع وحريات التعبير،
ما علينا، المهم، اليوم يأتي أيّ "مشعوذ صحافة" لا يفرق بين الخبر والتعليق "اكتسب لحم أكتافه" من صراع "إسلام سياسي رجعية تطرف وإرهاب/حداثة ديموقراطية حريات"، يكتشف أن جماعة النهضة يمثلون أغلبية شعبية وفي مواقع التواصل الاجتماعي بمعنى عدد المشاهدات، يستدعي أحد ضحايا النهضة لكي يسمسر بآلامه لأنه لا يعرف ولا يهتم بوضع آلامهم في سياقها الدستوري والقانوني والحقوقي بصفتهم مواطنين كاملي الحقوق ولا يعرف ولا يهتم بالأسئلة الاجتماعية الكبرى التي تجعل من آلام أي تونسي ألما مواطنيا عاما بقطع النظر عن انتمائه الفكري أو السياسي، كل ما يهمه هي موجة التعاطف مع الضيف الذي نشر عنه أخبارا زائفة سابقا، فهذا يقع تحت متلازمة ستوكهولم في إعجاب الضحية بالجلاد،
حتى اليوم، لا يوجد أي مبرر أخلاقي ولا سياسي ولا تنظيمي للظهور في بعض البرامج السخيفة التي تنصف ضمن تلفزة الزبالة لأكبر قادة النهضة، كما لا يوجد أي مبرر سياسي ولا تجاري لعدم مساهمة أنصار النهضة في مشروع إعلام صناعي نزيه وموضوعي،
هل أن إنتاج وسيلة إعلام ناجحة ذات مصداقية يحتاج أموالا طائلة من الخارج أو تضحيات من الداخل؟ لا حتما، جماعة النهضة يحتكمون على أموال واستثمارات جيدة لا يمثل فيها الاستثمار في الإعلام الحرفي الصناعي شيئا صعبا، لكنهم، هكه، الله أعلم، فضلوا رؤية الصحافة الحرة تمرض وتموت، ثم سلكوا الطريق القديمة نحو فضاء خصومهم، حيث دموعهم ومآسيهم مجرد عدد إعجاب،