لقد ضربوا الخشم آ صاحبي،

أنظر بأسى إلى صورة زميلي في الإذاعة سفيان بن نجيمة بإحباط لاعتقادي أنه لا شيء سيحدث لاسترداد الحد الأدنى من الحقوق والعدالة كما في عشرات المرات، أنت لا تعرفه، لكن يمكنني أن أتخيل بسهولة أني مكانه: تعود إلى أبنائك مهشم الوجه فيعالجون جراحك مصدومين إلى الأبد بحقيقة بعض أعوان الدولة، "شكون ضربك بابا؟" ضربني الحاكم ولدي"، اصنع أعداءك على مهل سيدي، أما اسمع: حتى في حالة البراكاج بالسكاكين والسيوف، في مقدوري أن أسلم لهم الهاتف وشوية الفلوس وأحمد الله على سلامة الجسد، أما أن تأكلك البونية الهمجية والركل من كل الجهات، فهي مسألة مهينة تصيب شيئا لا يشفى في الروح،

كان يمكن أن تصاب عينه إلى الأبد أو كلوة أو ينفجر كبد تحت تأثير بونية حادة أو ركلة حذاء عسكري، من يهتم؟ تصبح مسألة وطنية حين تحدث من أصحاب السلطة الذين ندفع أجورهم من لحمنا الحي لنعطيهم احتكار استعمال العنف من أجل حمايتنا فنصبح ضحايا لهم، أكثر من ذلك: في مقر السلطة القانونية الغاشمة، الخلاصة: إنه الخصم الوحيد الذي لا يمكن أن تأخذ منه صرفا ولا عدلا، قال لي صديقي نبيل المناعي مرة في تاجروين العدائية: "كان ما لقيشت ليهم صحة، نعض" وهو الشيء غير المتاح مع أناس يعتبرون الضرب والقمع وسيلة حرفية لتطويع المواطنين العاقين،

سألت اليوم، عما إذا كانت النيابة العمومية تحركت من تلقاء نفسها، كما تنص عليه مجلة الإجراءات الجزائية من أن الحق العام طرف أساسي في القضية حتى إن تنازل المتضرر تحت الضغط، تخيلت أن وكيل الجمهورية يقوم من تلقاء نفسه بالذهاب إلى حيث الزميل المتضرر وإلى مركز الشرطة المعني لحجز ما في آلات التصوير حتى لا يدعي أحد أنها معطبة أو أن التسجيلات ضاعت كما يحدث كثيرا، الأخطر من كل ذلك: أتذكر فشل الثورة في نقل "الشرطة العدلية" إلى سلطة القضاء،

رئيسهم الذي ينتدبهم ويرسمهم ويضمن لهم الارتقاء المهني هي وزارة الداخلية وليس القضاء، لذلك يحدث لهم عند الأزمات أن يختاروا دائما الولاء لرؤسائهم وزملائهم لذلك داهموا وحاصروا محكمة بن عروس وبتنا بأحد أسوأ الليالي على القضاء والحريات وانتصروا بتخليص زمليهم من المحاسبة تحت تهديد السلاح كما أتوقع أن يحدث هذه المرة، القضاة هم مجرد طرف يمكن تجاهله، عدم الذهاب إليه أصلا، إعادة قراراته في الإيقاف والجلب والاستجواب بعدم الإنجاز، لكن: إذا أراد وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق الخروج بنفسه، فمن يمنعه؟

أعالج آلام روحي بذكريات السخرية المرة عن العلاقة المعقدة مع البوليسية: زميل دراسة متفوق لكنه أكثر مني فقرا، ضرب الأستاذية في الحقوق ودخل الشرطة ليخرج من التدريب محافظ شرطة، أرسلوه "رئيس مركز" في الكبارية التي لا يحب أحد العمل فيها، عاد كنت أذهب إليه لأكتب قصص جرائم للجريدة، يخصني بمعاملة تليق بالصداقة القديمة: فنجان قهوة وقارورة ماء معدني في مكتبه، مرة تركني في مكتبه لأمر عاجل، قلقت فخرجت أحرك عضلاتي من كسل الجلوس الطويل، وجدت صفا طويلا من أكثر من عشرين شخصا من الموقوفين وخمسة أو ستة من البوليسية بزي مدني من الدجين، من العمالقة ذوي القامات الطويلة وكل واحد في يده رديون "فاروق واحد يسمع فيك، واضح والحالة عادية" وكل مرة يتسيب أحدهم على الموقوفين ضربا وركلا لتنظيم الخضوع التام،

عاد أنا نتفرج فيهم مذهولا شايخ وأصلح حزامي بصفتي صديق رئيس المركز، ويأتيني "صرفاق" صناعي صادق لكنه معوج على الرأس: "شد رب الصف يا... لا نـــ...."، اسمع: خنانتي مخلوطة بدم الأنف رسمت خطا معوجا حتى الأذن، وقبل أن أفسر أو أتكلم أصلا، جاءتني ركلة من زميله على مؤخرتي مع قمع نفسي عميق: "قالك شد رب الصف يا..."، وقتها ضاعت كل الأفكار والكتب التي قرأتها والجمل المفيدة حول الحقوق والمقاومة ومكانتي المهنية وعلاقتي برئيس المركز، انضممت إلى الصف، أصبحت أريد أن أرفع أصبعي لكي أتكلم وهو يهم بضربي مرة أخرى: "قلت لك ضم رب الكشخة متاعك لا نجي نهدها لك"، وبدا مضحكا أن أطلب منهم أن يسمحوا لي بالعودة إلى مكتب رئيس المركز لأجلب من حقيبتي منديلا ورقيا لمسح الدم والخنانة، حيث تكتشف أن الضرب يستهدف الكبرياء والكرامة والقدرة على المقاومة وليس الإجراءات،

فيه نوع من الإهانة المقصودة من أجل الإخضاع، كل ما تقرأه عن أعوان الأنظمة القمعية تنساه لتدرك شراسة الواقع، تتوقعون موقف صديقي رئيس مركز الشرطة؟ نعم، عاد ووجدني "قاب قوسين أو أدنى" من عبارة "جرّ على مركز الفرز بالوردية أو بوشوشة بأية تهمة، أذكره يضحك حتى انسد نفسه ووجعته بطنه فيما أنا أرجف رعبا، قال لي: "ما عندكش فم تحله؟" قلت له: "لقد ضربوا الخشم يا صاحبي"، بعد ذلك قال صاحب الرديون الأكبر متاع فاروق واحد متاع الحرب العظمى: "خويا مش بالعاني راهو، جيت في العفس، شكون قلك آقف معاهم"، اكتشفت أن الترتيب الوحيد الذي يمكن التوصل إليه مع البوليسية هو "احمد ربي أنك روحت لاباس"، غير ذلك مستحيل محاسبة أي أحد منهم،

الأكثر طرافة في مكتب رئيس المركز اكتشفنا أننا أقارب من جهة الجد، كان من عقلة شارن وأني كنت شاهدا قانونيا في عرس أخيه، لكنه ليس ضحية بل جلادا يرى أن الضرب هو الطريقة المثلى لترتيب هذا العالم، على عكس المثقفين وعلى عكس المقولة العظيمة لذلك الرجل النادر عمر بن عبد العزيز، كتب له أحد القوادين إن أهل خراسان قوم ساءت رعيتهم، وإنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في ذلك، فكتب إليه عمر: "أما بعد، فقد بلغني كتابك تذكر أن أهل خراسان قد ساءت رعيتهم، وأنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط، فقد كذبت، بل يصلحهم العدل والحق، فابسط ذلك فيهم، والسلام"، أمير المؤمنين لم يأذن بالضرب ولا التعذيب قبل أربعة عشر قرنا والدولة الحديثة تؤمن به وتحميه،

ثمة شيء خايب برشة يجب إصلاح في الأمن، أوله أن يتوقفوا عن سرقة دور القضاء في معاقبة الناس أو تأديبهم والتوقف عن الانتقام من الناس والتزام القانون، هذا صعب، بل يبدو مستحيلا هذا الأيام،

إنما، سيدي، وريث عدالة بغلة عمر، لقد ضربونا بالسوط والحذاء العسكري، وهو أخطر من احتكار البطاطا لأنهم يضربون خشومنا وكبرياءنا وقدرتنا على المقاومة، فخذ الرشكلو وادهم على أي مركز إيقاف، من أجل الكرامة، فلا يمكن ربح أية معركة بما فيها الانتخابات بمواطنين مضروبين على خشومهم، فما بالك بالصحفيين؟

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات