مشاريع جثث إعلامية: لذلك غادرت الحصة ولم أعد إلى البرنامج

إن أنسى، فلا أنسى أستوديو إذاعة اشتغلت فيها زمن التيه والفري لنس، "كرنوكا" محللا إعلاميا، أعدّ كرونيك لثلاثة أيام في الأسبوع حول الوضع العام مع تحليل صحفي للموضوع الرئيسي في البرنامج، وقد فشلت في إقناع معد ومقدم الحصة وهو موظف عمومي هارب من عمله بموافقة رؤسائه بإعلامي بموضوع الحصة مسبقا لأراجع معلوماتي وبأنه ليس من حقه أن يخرج بخلاصات وأن على الأسئلة الجيدة أن تصنع خلاصة لا يقولها،

المهم: وجدت الضيف الرئيس بصفة "خبير أمني"، أنا أعرف أنه عون سجون سابق (عريف أول) مطرود من عمله ومطلوب في قضايا ترويج مخدرات وسرقة مواشي باستعمال سيارات مستأجرة مسروقة في أحداث -2012-2011، البلاد صغيرة ولا يخفى فيها شيء إن كنت تشتغل فيها صحفيا منذ أكثر من ربع قرن مثلي وقتها، كان ذلك في زمن الفوضى العامة المنظمة، رفضت الجلوس على الكرسي المخصص لي بصفتي "محلل" معتمدا على شهائدي في الصحافة وخبرتي المهنية الطويلة لأكثر من ربع قرن من العمل الميداني وقتها في الصحافة المكتوبة، وإلا "الراجل نقطعه تقطيع قدامكم وإعيده إلى حجمه الحقيقي"،

التحليل الصحفي بالنسبة لي مادة علمية مرجت لأجلها كبدة أستاذيّ في معهد الصحافة الدكتورين الجميلين الفهري شلبي ومهدي الجندوبي ومكتبة معهد الصحافة في مقره القديم بمنفلوري، فيها قواعد علمية صناعية مثل أي تحليل ينتجه مهندس في الماء أو في قواعد بناء العمارات أو حفر بئر البترول مثلا: تجمع معطيات علمية أولية موضوعية، تضعها في ماكينة البناء المعرفي الإنساني، تبني بها تدريجيا فكرة لتنتج معلومة جديدة أنت استنبطها بقدرتك على جمع المعلومات وتحليلها استفادة من فن الحجاج منذ اليونان، باهي، انظروا إلى التحاليل الصحفية في جرائد واشنطن بوست من يكتبها وما تأثيرها المبني على قواعد علمية واقعية؟

أش يعمل واحد مطلوب في قضايا مخدرات وسرقة في أستوديو إذاعة؟ (وقتها كانت نقابات البوليسية تشتغل به لحساب من يشتغل بها وكان المنتجون مجرد أدوات، وأحد البوليسية غلبه الحماس فأخرج مسدسا في حصة تلفزية بصفته الحل لخصومه السياسيين بالوكالة، وقد أصبح بعد ذلك يمثل تونس في السلك الديبلوماسي بضمانة أو مباركة خصومه السياسيين الذين هددهم بالمسدس، ما علينا)،

بماذا يريد إقناعنا عون السجون المكسر في قضايا مخلة بالشرف وأية خبرة يمكن أن يقدمها للناس؟ هو أصلا قبل طرده من مهنته تلقى تدريبا جسديا أوليا لشهرين في الجري والانضباط وبعض الدروس السريعة في القانون الجزائي والإجراءات الجزائية، فأية علاقة يمكن أن تكون له بالخبرة الأمنية ومقاومة الإرهاب؟هل شارك في عملية ضد الإرهاب؟

أصلا أية علاقة له بالنظر إلى رتبته المهنية بالخبرة، غير الانضباط وتطبيق التعليمات؟ الخبير هو شخص ينتج كتبا علمية تضيف شيئا جديدا إلى المكتبة الإنسانية في اختصاصه تحت إشراف مجلات بلجان محكمة، لماذا لم أنس الحكاية؟ منتج البرنامج قال لي بوثوق: يمكن أن يمر البرنامج من غير حضورك وتحاليلك، الضيف سيجيبنا على أسرار العلميات الإرهابية وأنت سوف تزيد وتنقص وتفتي في الموضوع، أنت كنت أرهابي؟ لا، لكن ضيفك، يبدو أنه كان كذلك، وخرجت،

لذلك غادرت الحصة ولم أعد إلى البرنامج، الحقيقة وقتها، فقدت 47 دينارا عن كل حصة لم أحضرها، "برشة فلوس" مهينة بالنسبة لصحفي بدأ عام 1989 وغطى عدة حروب عربية وأحداث أوروبية عنيفة ووصل بهذه المهنة إلى مدينة كنشاسا جنوب خط الاستواء في الكونغو الديموقراطية وزار أغلب المجتمعات العربية والأوروبية وقرأ كل ما وقع تحت يده من كتب السياسة والاقتصاد والتاريخ ومذكرات السياسيين دون اعتبار معرفة تونس دشرة دشرة، وقتها كانت ثمة قنوات أوروبية تدفع لنا 200 أورو مقابل كل حصة تحليل من أقل من ثلاث دقائق، عليك أن تستعمل كل مواهبك في اختزال الرأي الصناعي في بضعة جمل وهو جيمناستيك ذهني صعب على من تعود ثرثرة القنوات التونسية كنا ننجح فيه والدليل أنهم يعودون إلينا كثيرا في الأوقات الصعبة بحثا عن المعرفة والاختزال، هربا من الهذيان ،

"عمي الراجل الخبير الأمني متاع الأستوديو" اختفى عندما جاءه أمر بالانسحاب، وقد علمت أنه ربطوه وتشمتوا به لأسباب أخرى تتعلق بنهاية دوره واختلاط الأمور عليه، إنما قابلت منتج البرنامج الذي "طاحت به الدنيا" وعاد مجبرا إلى عمله الأصلي وذكرته بالحادثة، "تي حتى أنت؟ قداش تكبش؟"

ما أسوأ الضرب في الجثث، هل تعلم أنهم جميعا مشاريع جثث؟ هم فقط لا يعرفون ذلك ولا يصدقون، وأن حجتهم علينا أننا نكبش ولا ننسى، أنا لا أنسى،

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات