طبعا، لا أحد يهتم بالمفكر هشام جعيط، التلفزة ملك الذين لا يقرأون،

المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت اختارت المفكر والكاتب التونسي هشام جعيط، هذا لا يهم أحدا في الإعلام التونسي، أحدهم قال لي بوقاحة: "من هو هشام جعيط ؟"،

أنا من الجيل الذي كان يفتخر في المقاهي بقراءة ومناقشة كتابيه عن مدينة الكوفة وتشكل الدولة، ثم عن الفتنة الكبرى: جدلية الدين والسياسة، أيام كان المثقفون يحملون الكتب تحت الإبط، وليس سطحيات "الآي باد" والآي فون"، التي تمنح إحساسا زائفا بالثقافة،

لا أحد يدعو الدكتور جعيط لأن المرحلة لا تحتمل التفكير أصلا، يقول لي أحد الزملاء المتقدمين في النذالة المهنية: "إنه زمن ابتزاز العواطف وتحول الدموع والإحباط إلى تجارة الأس أم أس، هل ترى فيه مكانا لشخص مثل الدكتور جعيط، هل ترى هنا أصلا شخصا قادرا على محاورته؟"،

كان عمري أقل من أربعة وعشرين عاما، خريج ثلاثة أعوام من السجون والأحزان الوطنية لم أبرأ بعد من جراح مراهقتي، فما بالك بجراح السجن ثم بخيبات الصحافة، حين أرسلوني لاستجواب الدكتور هشام جعيط في بيته. لم يسعفني أحد حتى بإعداد بسيط أو سؤال عابر، فقررت أن يكون الموضوع هو حول ما إذا كان لصدام حسين في العراق ملامح مشروع حقيقي وطني قومي، أو هو مجرد غرور حاكم عسكري يبحث عن الحكم الأبدي، أذكر ذلك جيدا.

لقد عفست على قلبي لكي أتجاوز، بصفتي ريفيا بدويا، مشاعر الريبة في "أولائك الأرستقراطيين العائشين في حالة مثيرة من الثراء والبذخ" في المرسى، حتى أجد نفسي في مواجهة الدكتور، كان يتحدث، وكنت أقرأ خلسة عناوين الكتب وراءه، كل ما وراءه كتب، رجل يقرأ جيدا، بعناية، وكثيرا، يتحدث جيدا، يأخذ وقته قبل الجواب، أيا كانت سخافة السؤال،

في منتصف الحوار، وعندما انهارت كل دفاعاتي أمام ذلك الرجل الفذ، تكفل هو بمساعدتي: طرح الأسئلة التي يجب أن تطرح وأجاب عليها بتلقائية لا أظن أنه يتذكرها أو يتذكر ولدا فقيرا، صحفيا بأجر لا يتجاوز 170 دينارا شهريا دون أية حقوق أخرى في عام 1989، اقتحم عليه عالمه العلمي الفاخر الذي يستحقه عن جدارة، لكي يجري معه حوارا لجريدة سخيفة وسطحية،

بعدها قرأت بنهم أغلب ما كتب الدكتور هشام جعيط، كتب، مقالات علمية، دراسات متناثرة، وما زلت بحاجة إلى إعادة قراءة جدلية الدين والسياسة في الفتنة الأولى، تكوين المدينة الإسلامية الأولى، وتثيرني مجرد فكرة رؤية الدكتور جعيط لتفكيك ما يحدث لنا اليوم، علها تنير لي ما استغلق علي هذه الأيام من الفتنة المتجددة، ربما هم الخوارج الجدد؟ هل تحن في غنى عن كتاب يكتبه لنا الدكتور عن سر هذه الدموية الغريبة المنفجرة فينا؟

حسنا، هل هناك من يقرأ كتب الدكتور هشام جعيط أو غيره من كبار المفكرين في بلدي؟ إن كان ثمة من يقرأ، فهل فيهم صحفي؟ وإن كان فيهم صحفي، فهل فيهم منشط تلفزة؟

آه نسيت، القنوات التلفزية ملك لخبراء الأمن والإرهاب، وهم عادة لا يقرأون، فما بالك بالكتابة،

لا أحد يعرف الدكتور هشام جعيط، طبعا،

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات