على ذكر أحلام السادة ممثلي المجلس المحلي في المحمدية المجيدة في مطار وعن صورة الناس التي تتقاتل على مقعد في نقل جماعي، أنا عندي تجربتان طريفتان مع "الشعب يريد" قبل الثورة نفسها،
في 2008، جاءتني دعوة لتغطية حضور السيد محمد عفيف شلبي، وزير الصناعة والطاقة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة إلى مدينة الكاف، عاد واحد من الجماعة من ذوي الصوت العالي والمربط الخالي طلب صراحة "مطار" في الكاف، وفي 2013، طمبك مطالب الشعب والحكم الرشيد، جمعنا شتات أهالي الكاف والخبراء المشردين في منظمات دولية لصياغة مطالب التنمية، عاد رجع لنا صاحب فكرة المطار،
وهو ليس مخطئا تماما، فقد كان هناك مطاران على الأقل زمن الاستعمار في ولاية الكاف، أحدهما في القلعة الجرداء لا يزال اسمه المطار وقد تحويله إلى إنتاج العنب، لكن ذلك بدا مثيرا للسخرية في زمن "كار ماضي ثلاثة وقتاش تجي" لأنها قد لا تأتي بعد توقف أغلب خطوط النقل الحديدي التاريخية، وعلى ذكر المطارات، فقد كان في قرية الجديدة في ولاية منوبة مطار، لكن تمت التضحية به لتحويله إلى فضاء لتجفيف الطماطم،
هي الحكاية ساهلة، ما نجح فيه الاستعمار بالقوانين التعسفية وهو خلق الثروة فشلت فيه الدولة الوطنية، لذلك أغلقت المطارات المحلية لعدم وجود مسافرين خصوصا في ظل احتكار الناقلة الوطنية للطيران المحلي بأسعارها المشطة، خذوا مثلا مطاري طبرقة وتوزر، هل ثمة فيهما من يقدر على دفع ذلك الثمن الفاحش المفروض في تونس توزر: 300 دينار من أجل 370 كم؟ إن معدل كلفة نفس المسافة في أوروبا مثلا تساوي 55 دينارا، (للمقارنة: طائرة أيرباص أ320 أو بوينغ737، 150 مسافرا، لمسافة 1500 كم تتكلف 0.025 سنتيم أورو للراكب في الكيلومتر)، بقي السؤال الحقيقي في المحمدية المجيدة: هل نخلق الثروة عند الناس أولا ثم نخفض في كلفة النقل الجوي أم نخلقه وننتظر مسافرين لن يأتوا؟
عندي صاحبي درس هندسة الطيران في روسيا واشتغل على واحد من خطوط النقل الريفي في الشرق، يروي لي كيف أن طائرات أنطونوف كان تقلع وهي مفتوحة البوابات الخلفية، يجري وراءها الريفيون محملين بقضية الشهر ويساعدهم التقني على الصعود وهي تمشي على المطار بأسعار لا تتجاوز قيمتها ثلاثة دنانير، النقل الجوي المحلي في الجزائر مغر كما في ليبيا ويمكن تفهم ذلك لعدم وجود ضرائب على الوقود، لكن يجب رؤية الأسعار في مصر حيث 900 كم بـ 300 دينار تونسية (القاهرة أسوان)، الكلم بـ 350 مليما مقارنة بتونس توزر 800 مليم للكم، والمغرمون مثلي بأدب أمريكا اللاتينية يعرفون شعبية النقل الجوي في الأمازون، والدولة التونسية تفرض شروطا على النقل الجوي الخاص توحي بطلب ضمانة من عزرائيل بأن لا يتعرض لمن في الطائرة مقابل إطلاق يديه في ركاب اللواجات، لكن دعونا من المقارنات الخاطئة، ما معنى المطالبة بمطار لا تقل كلفته عن كلفة خط ميترو بعشرة كم في ظل عدم وجود حافلات ولا عربات مترو وخصوصا في ظل المراهنة على النقل الجماعي الذي يتراكم صباحا في محطات العاصمة عاجزا عن العودة إلى الضواحي لأن حركة النقل والربح في اتجاه واحد؟