قائمة في الفوارق الأولية بين الصحفي المحترف ومنتحل الصحافة:

-الأول يعتبر الخبر منتوجا صناعيا خاضعا لمواصفات المصدر والإثبات والجودة التي تتم الإجابة عليها في الأسئلة الصناعية عند التحرير، الثاني يعتبر الخبر "غنيمة" عثر عليها ومزية يمنحها للناس وليس مطالبا بإخضاعها لقاعدة إثبات المصدر أو الشهود أو الجودة،

- الأول يعتبر الخبر عملا بأجر في إطار مهنته، لا مزية فيه ولا فخر وليس ملكا له ولا يقيم أية علاقة نفعية مع محتوى الخبر، الثاني لا ينقل إلا الأخبار التي يراها تخدم أفكاره ورؤيته وأهدافه حتى إن كانت ضعيفة الجودة أو من مصادر مجهولة أو مشبوهة،

- الأول يدرك أنه مطالب بتحمل مسؤولية كل ما ينقله حتى عن مصادر أخرى والثاني لا يرى نفسه مسؤولا أبدا عن نقل أي أخبار مزيفة أو كاذبة أو فيها مخالفة للقانون، "لقيته في الانترنيت، قاله لي واحد في القهوة ما نعرفوش، ياخي ما ثمة كان أنت ما في بالكش بيه؟

- الأول يعي العلاقة العمودية باث/متقبل لذلك يفكر في كل الأسئلة الممكنة عند صياغة خبر لأن الجمهور لا يملك القدرة على الاتصال به للاستفسار عما غفل عنه، الثاني ينقل الخبر مجتزءا غامضا، منقوصا، متضاربا مع بعضه أحيانا ثم يختفي سعيدا بما أحدثه من إضطراب بين الناس،

- الأول يرى الصحافة مهنة صناعية مثل أية مهنة أخرى والثاني يرى أنها ميزة اجتماعية لتحقيق المصالح الخاصة يبحث فيها عن المجد والشهرة والعلاقات والامتيازات،

في الشبه بين المصحة والمؤسسة الإعلامية

منذ 2012، شاركت وساهمت في عشرات دورات التكوين للزملاء الصحفيين في تونس والجزائر والمغرب في كل مجالات الصحافة بمشاركة زملاء أجانب جلبوا إلينا ثراء تجارب مجتمعاتهم، لكن لم يتحسن شيء في الصحافة التونسية بل ازدادت سوءا،

منذ بلغت سن النضج المهني في الصحافة، أدركت أن العلّة في الإعلام في بلدي ليست في الصحفيين أو في من يشتغلون في الإعلام بل في نموذج المؤسسة الإعلامية التي أشبهها بالمؤسسة الصحية: قد تملكها بالوراثة أو الاستثمار المالي أو حتى التعيين الإداري للمؤسسات العمومية لكن لا معنى لأن تأتي صباحا وتعلن للأطباء أنك قررت أن تجري العمليات الجراحية بنفسك بحجة أنها ملكك، هذا يسمى في المجتمعات التي تحترم قيمها وحق شعوبها في محتوى محترم "الفصل بين الإدارة والتحرير" أنت صاحب فلوس وتحب أن تربح والطب كما الصحافة عمل صناعي وعليه، من حقك أن تطالب بالنجاح الجماهيري وبالربح المالي، لذلك تنتدب من يعرف كيف وتأخذ عليه تعهدات وتتركه يعمل ثم تطالبه بالنتائج، وهذا عنده اسم واحد في العالم كله: رئيس تحرير، وهو ليس شخصا بقدر ما هو خبرة أعوام طويلة وذاكرة ومعرفة، إلا في تونس، حيث صاحب المؤسسة هو عادة رئيس التحرير وصانع المحررين والتوجهات العامة والمحتوى، في تونس "لا يغلبك إلا من يقول لك متاعي"،

وفي الصحافة كما في الطب، قد يأتيك صاحب المؤسسة بزنس يقول لك إن له خبرة طويلة تنفعنا في الربح، لكن رئيس التحرير كما رئيس الأطباء هو الذي يقرر وهو الذي يختار حسب حاجة المؤسسة لعمل متوازن وبلا مخاطر، إلا في تونس، المؤسسات الإعلامية تتنافس في انتداب الأكثر وقاحة وبلادة يتداولونه من مؤسسة إلى أخرى، لا يهتمون أبدا ببرامج التكوين ولا بالكفاءة،

لذلك، لا نرى أية نتائج لبرامج التكوين والتدريب والتحسين سوى في هجرة الكفاءات الإعلامية في بلد يدفع 600 دينار تحت الحيط بلا أية ضمانات للصحفيين أو التقنيين مقابل آلاف الدنانير للكرانكة المستعدين لشتم أمهاتهم لنيل رضا صاحب المؤسسة، فهو الذي يمضي في صكوك الخلاص، الحل؟ ساهل: إخضاع كل مؤسسات الإعلام للقانون، بدءا بالتصريح بالموارد والإنفاق، إلى "كيف تنفق على نفسك في هذا الوضع الصعب؟" وصولا إلى قانون الشغل، أنا لا أتحدث هنا عن تبييض الأموال في الإعلام، أنا أدعو إلى الحد الأدنى لعدم حصانة المؤسسات الإعلامية،

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات