تنبيه: هذه دعوة إلى الحل أيضا. لكنها لا تلتقي أبدا في مبرراتها مع أي كان.
*خلال عشرية الثمانينات أساسا، كانت كل التيارات السياسية الكبرى(يسار، إسلاميون، قوميون) يتنافسون، أحيانا بشكل عنيف وشبه دموي، على التموقع في منظمتين تونسيتين هما: رابطة حقوق الإنسان واتحاد الشغل.
كان كل تيار يحاول تصعيد أكبر ما يمكن من عناصره إلى هياكل هاتين المنظمتين. بل كان أقصى نجاح يمكن لهذه التيارات أن تحققه هو الوصول إلى الهياكل القيادية للرابطة والاتحاد.
* يمكنني الجزم بأن الرابطة والاتحاد لعبا دورا مركزيا في تنضيج شروط سقوط نظام بن علي. يكفي العودة إلى المحاولات الانقلابية التي تعرضت لها هاتان المنظمتان على يد السلطة، لنفهم أنهما كانتا مصدرا إزعاج حقيقي للنظام، رغم أنه كان يتحكم عموما في قيادة اتحاد الشغل خاصة.. بالاحتواء والتهديد وشراء ذمم عناصرها بالعطايا.
*خلال أحداث الثورة لعب الاتحاد الدور الأول في تأطير المظاهرات وتنظيمها وحمايتها وتعميمها في كل جهات البلاد. ولو لم توجد هياكل محلية وجهوية لم تكن المظاهرات لتتعمم وتدوم. حدث ذلك رغم رفض القيادة المركزية للاتحاد بل وتواطئها مع السلطة. وهذا ما يميز اتحاد الشغل، أنه "تنظيم اجتماعي نقابي ثوري" موضوعيا وبحكم التاريخ.
* بعد الثورة، شكّل صعود الإسلاميين إلى واجهة الحكم حدثا مفارقا لطبيعة التاريخ التونسي. أن يصعد تيار من هامش السياسة، أي طارئ على نخب الحكم والسياسة التقليدية، صدم هذه النخب ودفعها إلى التنكر لكل ما ناضلت من أجله من ديمقراطية وحقوق إنسان. فآنخرطت الرابطة والاتحاد في مسار يمكن أن نعطيه عنوانا وحيدا: إخراج الإسلاميين من الحكم بأي ثمن. فكان الثمن 25 جويلية: انقلاب على الديمقراطية، وتجريف لكل الأفكار السياسية لصالح شعبوية رثة مهينة للعقل.
* بالنظر لنوعية العناصر القيادية في الاتحاد الرابطة (ايديولوجيون، حزبيون سكتاريون دغمائيون، ضيّقو أفق تفكير)، كان من المستحيل أن يكونوا ضد الانقلاب. فساندوه بحماس طفولي مخزٍ ظنا منهم أنه جاء تتويجا لخطتهم. وحين اكتشفوا (ليسوا مجمعين حتى الآن على هذا) أن الانقلاب جاء من خارج خطتهم يحاولون الآن أن ينجزوا تراجعا تكتيكيا محسوبا. لكن.. "ولات حين مناص" (عبارة قرآنية ترجمتها التونسية "دي وييييييو").
وبناء عليه: الرابطة والاتحاد.. وكل الذين كانوا زمنا ما يعتبرون التموقع داخلهما سقف السياسة، بابورهم زفّر.
وتبا.