في مثل هذا اليوم.. حدثت ثورة نعم.. وعظيمة أيضا، ولكن "ڤدمتها" مجموعة أحمرة…

بقليل من الجهد الذهني، نستطيع أن نتذكر المناخ العام لحدث 17 ديسمبر 2010. كانت كل مقدرات البلاد الاقتصادية والسياسية في يد عصابتين عائليّتين، عائلة بن علي وأصهاره الطرابلسية. كانت العائلتان تجنيان ثمار جهود عشريّتين من الإخضاع التدريجي للدولة والسطو الممنهج على كل جهود النخب الاقتصادية والسياسية والثقافية.

وقد كان في البلاد نواة طبقة رأسمالية هجينة ولكنها أنشأت الحد الأدنى من شبكة إنتاج شبه وطني في القطاعات الاقتصادية الحيوية، فداهمتها العائلتان بأدوات السلطة القهرية وفرضت عليها شراكات فاسدة وأتاوات كانت تنتهي عموما بافتكاك المشاريع والشركات بالقوة. فنشأت مع عائلتيْ الحكم طبقة اقتصادية مهيمنة جديدة "سمسارة" غير منتجة أشبه ب"القراد" التصقت بجلد البلاد واختصت في امتصاص دمه.

أصبح أفراد العائلتين العصابتين يحتكرون بيع الشهائد ( بدءا بالشهادة المدرسية المؤهلة لدخول سلك الأمن خاصة.. مرورا بالباكالوريا.. حتى الإجازة) والوظائف ورُخص المشاريع والبناء بتسعيرات شبه معلومة للعموم. فآنسد الأفق أمام الشباب الذي لم يسعفه الحظ في الحرقة والهروب من البلاد، ليخرج يوم 17 ديسمبر إلى الشارع محتجا على كل شيء وبصفر وعي سياسي أيضا. فقد جرّف النظام عالم السياسة عدا بقايا التسيس الحقوقي النخبوي والمراقَب والمعزول عن المجتمع.

اتسعت الاحتجاجات التي انطلقت من سيدي بوزيد بفضل اتحاد الشغل وحده. ليس بقرار واع منه طبعا، ولكن هياكله الجهوية والمحلية الممتدة على كامل البلاد اضطرت إلى تأطير المظاهرات مدفوعة بتقاليد نقابية قديمة في "التظاهر المطلبي المنضبط"، لتفاجأ هي والنظام والجميع بانفلات الحدث الاجتماعي نحو وجهة غامضة بما يشبه " قوة الدفع الذاتي التاريخي"، وبدفع أكيد من أكثر من جهة معلومة وغير معلومة.

لكن اتجاه الحدث إلى مناورات وترتيبات سياسية اختلط فيها المحلي بالدولي لا ينفي بالمرة عن 17 ديسمبر جوهره التاريخي الكلي، وهو أنه حدث تحرر جذري من دولة وقعت في أيدي عصابات عائلية فاسدة وشبه أمية لا تليق بمجتمع حديث.

ما حدث بعد 14 جانفي.. إلى الآن، مركّب جدا. ويحتاج حديثا مستقلا. ولكننا نستطيع اختزاله في الآتي:

تحركت كل الجهات المتضررة من الثورة وهي كثيرة لاستعادة الدولة من قوى جديدة لم تكن جاهزة، لا سياسيا ولا فكريا ولا شخصيا لفهم طبيعة اللحظة الثورية ولصناعة تاريخ جديد لبلد كان يتوفر في تقديري على الشروط الدنيا لتغيير تاريخه...

لولا أن اجتمعت أحمرة كثيرة على "ڤدم" قرعته. أولها تلك التي شوهت حدث الثورة وهرسلت وعي الناس بترديد أكذوبة أن ما حدث كان "ربيعا عبريا"، وآخرها الانقلاب الرث القبيح الذي تنكر في عنوان "تصحيح مسار الثورة".. وبين الحمار الأول والأخير.. أحمرة كثيرة.

وتبا.. كثيرا.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات