وسأكتفي بالمحطة الانتخابية الأخيرة سنة 19 التي جاءت بسعيد إلى موقع مكّن الغرفة الانقلابية من التدمير النهائي لكل شيء.
تذكّروا تفاصيل مناورات تشكيل القائمات الانتخابية لأكبر حزب سياسي.. حيث هندس الغنوشي قائمات حزبه ليكون هو رئيسا للبرلمان.. أهم منصب في الدولة حسب دستور 14.. رغم أن وثائق المؤتمر الأخير لحركته تؤكد على تجنب تصدّر التجربة الديمقراطية التونسية الهشة بناء على أن الإسلام السياسي صار الذريعة المعلنة من الغرب لإسقاط الانتقال الديمقراطي العربي.
صعد الغنوشي إلى رئاسة البرلمان وشكّل كتلة برلمانية موالية لشخصه وأنهى الديمقراطية داخل حزبه.. ووفّر ذريعة مثالية للمخطط الأجنبي الذي استثمر في عبير، وفي حركة الشعب والتيار بطريقة أخرى، لترذيل المشهد البرلماني وتهيئة مناخ الكره الشعبي الحاد للديمقراطية وللأحزاب وللسياسة.
يوميات مسار التعفين كثيفة جدا (مناورات تشكيل الحكومات وإسقاطها لا يمكن وصفها بعد الذي يحدث الآن إلا بأنها جريمة كاملة الأركان في حق المجتمع).. ويعنينا منها أمران :
أولا الخفة والطفولية والغوغائية والبلاهة والانتهازية اجتمعت كلها في طبقة الحكم التي كان يفترض أنها مسؤولة عن مصير الثورة.. ليتبين أنها نخبة مريضة، وغبية، وقابلة للتوظيف ،والركوب.
ثانيا.. القول بأن الانقلاب كان سيحدث لا محالة، حتى لو كان الغنوشي ديمقراطيا والمعارضة أكثر وعيا هو تفكير تبريري تسويغي لا يقل إجراما عن الفعل الأصلي.
محطتان كبريان في مسار الغباء هما المبايعة الحمقاء لشخص سعيّد ثم الانقلاب.. انقلاب كان يحدث تقريبا في العلن وأمام الجميع. ومع ذلك أصيب أغلب السياسيين بحالة "بهامة" غريبة.. لينتهوا جميعا شركاء فيه.
كل النخبة الحزبية مع جمهورها الكارثي شاركوا في الوصول إلى حالة العار التي نعيشها الآن.
ما العمل إذن.. ؟ العمل هو تبا لهؤلاء جميعا… طغراء تليق بكم.