في مواجهة بورقيبة والحكم الفردي الأبدي، نشأت معارضة ديمقراطية ليبرالية نخبوية مع الديمقراطيين الاشتراكيين.. وحقوقية مع تأسيس رابطة حقوق الإنسان وجريدة الرأي.. إلى جانب الاحتجاج النقابي الموسمي المتقطع والمتباعد.
وفي مواجهة ديكتاتورية مافيوزية جاهلة زمن الحمار، نشأت معارضة حقوقية تتحرّك بشبه انضباط في حيّز هامشي جدا وتشتغل عل ملف شبه وحيد هو "تحسين ظروف المعتقلين في السجون".. مع التمتع بكوتا في المشهد العمومي والبرلمان والمطالبة الدائمة من النظام بتخفيف حصاره لها مالي وإعلاميا وتوسيع دورها الديكوري، حتى أنها تنجح أحيانا في إحراجه.. وتشارك في انتخابات مزورة علنا تقريبا.. بالتوازي مع تدجين مذلّ لبيروقراطية نقابية فاسدة بالترهيب والإغراء.
وخلال الزمنين، كان هناك إحتجاج شبابي تلمذي وجامعي.. إحتجاج إيديولوجي هلامي يساري وقومي وإسلامي يبشر بحماس بالدولة الشيوعية الاسلامية العربية الاشتراكية الواحدة...الخ.
وها نحن في تونس ندخل مرحلة فريدة من تاريخ الإنسان.. تقديري أنها تحتاج معارضة من نوع خاصّ جدّا. فلسفيا وعالميا، يجري الحديث خلال السنوات الأخيرة عن ما بعد العولمة وما بعد الحداثة وما بعد الدولة وما بعد الحقيقة.. أو "سوائل" زيجمونت باومان.
في تونس نوفّر حالة مخبرية نموذجية لكل هذا:
رئيس يدعو إلى نظرية سياسية جديدة اسمها "البناء الجديد" وحكم الشعب لنفسه بنفسه من دون ديمقراطية تمهيدا لإلغاء الدولة، إعلانا لدخول مرحلة ما بعد العقل. رئيس برلمان يدعو إلى " الزعامة التمساحية" الممتدّة والمتمدّدة دائما، إعلانا لدخول مرحلة ما بعد بشرية البشر. حكومة رشيقة تطير كالفراشة من حزب إلى حزب، وتكرّس فعليا مرحلة ما بعد الأحزاب. اتحاد شغل خش الخلاء…
حالة إسهال إعلامي.. وخصوصا إفتراضي "سبنصوريزي" مرتزق ووضيع، يبسط هيمنة نهائية لمرحلة ما بعد الحقيقة، بل وما بعد كل القيم الأخلاقية الإنسانية التي توصل إليها الإنسان بعد عصور من ظهوره على الأرض.
بناء على كل هذا،
أعلن عن تأسيس "حاجة" معارضة راديكالية ثورية انقلابية جذرية ترفع مطلبا وحيدا: الحق في زوز غرامات عقل والسماح في كل شيء.