خلاصات…

انقلاب لا أحد يعرف من يقف خلفه، والبعض يعرف ولا يجرؤ على التصريح بما يعرف بوضوح. الأكيد أن سعيّد في كل ما يجري واجهة وأداة لا أكثر. أداة أعطت للانقلاب بعدا شعبويا وكاراكوزيا مضحكا ومخجلا ومهينا لصورة بلاد ذات تقاليد ليبرالية حداثية دنيا.

الأكيد أيضا أن الانقلاب يتقدم بخطى بطيئة وغامضة بسبب عاملين كبيرين : تناقض مصالح داعميه الكثر.. وتناقض رهانات معارضيه الكثر أيضا. فمن ساند الانقلاب في يومه الأول من تيارات السياسة خليط من تجمع ويسار وقوميين وديمقراطيين تائهين وهوليجانز. هؤلاء مختلفون جدا في خلفيات مساندتهم للانقلاب.. ومختلفون أكثر الآن حول دورهم في ما بعد الانقلاب.

خارجيا.. الامارات والسعودية وفرنسا جميعها ساندت الانقلاب في بدايته ولكنها لم تدعمه بسخاء مالي كما فعلت مع انقلاب السيسي.. وما زالت تكتفي بدعمه سياسيا فقط.. وهو أمر لا يمكن تفسيره إلا بعدم الحصول على ترخيص أمريكي نهائي. وتأخر الإذن الأمريكي لا يمكن تفسيره إلا بتعقّد التسويات مع لاعبين دوليين وإقليميين، حلفاء وخصوم، حاضرين في المنطقة.. وهم أساسا تركيا وروسيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والجزائر ومصر.. وجميعهم في ارتباط بملف ليبيا.

الثابت أيضا أن الانقلاب لا يستطيع الآن أن يتراجع. ولأنه مجبر على الاستمرار تتحرك نواته الأمنية بنوع من المغامرة والتهور لفرض معادلة سياسية جديدة.. وهو يتحرك منذ أشهر في صمت على جبهتين.. جبهة أجهزة الداخلية بالإقالات والتعيينات والتغييرات الواسعة في ما يشبه "التطهير" لضمان الولاء المطلق للانقلاب رغم اعتياد الأمنيين منذ سنوات نسبيا على الحياد والنأي عن السياسة.. والجبهة الثانية هي القضاء.. بتسخير القضاء العسكري لصالحه في انتظار إيجاد صيغة مناسبة لإخضاع القضاء المدني بهدف تسخيره هو أيضا في محاكمة المعارضين وتكريس الدكتاتورية.

هذا السلوك الانقلابي المستهتر بكل البناء السياسي المؤسساتي لا يمكن تفسيره إلا بوجود عقل أمني يخطط لكل هذا.. عقل مستنسخ إقليميا من النموذج المصري والإماراتي والمخابراتي السوري. أما تناقضات معارضي الانقلاب التي ستطيل عمر الانقلاب وتفسر جزءا من حالة الانسداد فهي أيضا كثيرة.

لا شيء يجمع حراك "مواطنون ضد الانقلاب"، المبادرة السياسية الأبرز في معارضة الانقلاب من حيث الجماهيرية والحضور في الشارع، بمبادرات معارضة أخرى نخبوية اقتصرت على عرائض متداولة في الفضاء الافتراضي.. بما يعني أن ظهور جبهة سياسية وطنية جامعة لكل الأحزاب والفعاليات المعارضة أمر مستحيل في المدى المنظور.

فضلا عن أن شبح حركة النهضة المتربصة في صمت محسوب بالحراك المعارض، يكاد يجهض قبليا كل نضال من أجل الديمقراطية. مأساة فعلا أن يقترن عنوان الديمقراطية بالوجوه التي كانت تشكّل مشهد ما قبل الانقلاب.. طبعا سعيّد جزء أصيل من ذلك المشهد.. فصعوده الدرامي في الانتخابات الأخيرة هو العنوان الأبرز للتشوّه الذي أصاب ديمقراطيتنا الناشئة.. لتصبح ديمقراطية حسابات ومناورات انتخابية وضيعة في السر، وديمقراطية رعاع في العلن.

ربما الزمن …

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات