تفكيك ألغام الحروب الدينية والعنصرية والاستعمارية الجديدة

Photo

حوار ماكرون على الجزيرة كان محاولة مرتبكة ولكن شجاعة وضرورية لكسر حالة الشحن العنيف والتعصّب المتبادل من جانب قطاعات شعبية واسعة من المسلمين على امتداد العالم الإسلامي من جهة، وقطاع من الفرنسيين المدافعين عن نقاء الهوية الفرنسية وحداثتها حسب صيغة متوترة للحداثة.

كان الأمر يسير نحو انقسام عبثي وعنيف في فرنسا بين اليمين العنصري والفرنسيين المسلمين من ذوي الأصول العربية والملونة. ومع دعوة المقاطعة للسلع الفرنسية في كثير من دول العالم الإسلامي، والتحاق أردوغان بحرب التصريحات المتشنجة وتصعيده الشعبوي ضد شخص الرئيس الفرنسي، كان يمكن أن يتطور الوضع نحو استهداف متبادل وخطير. لذلك أرى أن خطاب ماكرون كان تصحيحا شجاعا لخطأ ارتكبه في خطابه المنفعل ردا على جريمة قتل الأستاذ على يد مجرم منحرف يدعي التدين.

خطاب ماكرون الأول لا يليق بسياسي مسؤول عن شعب متعدد الهويات الثقافية.. ارتكب فيه ماكرون خطأين كبيرين: الحديث الثقافوي التعميمي عن أزمة الإسلام كدين، في حين أن الأزمة مجتمعية تاريخية تخص كل المصادر الفكرية والسوسيولوجية للعنف بكل أشكاله، حتى إن كان التعصب العنيف اليوم يكاد يكون عالميا سلوكا يخص المسلمين أكثر من غيرهم لأسباب تاريخية.

والخطأ الثاني هو إعلانه الانفعالي تبني الحكومة للرسوم الشهيرة وتكليف وزارة التعليم بطباعتها وتوزيعها على المدارس الفرنسية بما فيها مدارس الأطفال الذين من المفروض تحييدهم عن معارك القناعات الدينية.

لم يبطئ ماكرون كثيرا ليعدّل موقفه ويتدارك خطأه وينحو إلى التهدئة. قال بوضوح أن حق النقد والسخرية حق أساسي، وواجبه كرئيس هو حماية هذا الحق، ولكنه لا يتبنى مضامين الرسوم الكاريكاتورية.

الإصرار على مطالبته بصيغة اعتذار أوضح عن الرسوم مزايدة لا معنى لها.

من المهم تثمين دعوته إلى مزيد من النقاش حول الصيغة الفرنسية للتعامل مع التنوع الديني والثقافي، واشارته الواضحة إلى الطابع الإشكالي لكلمة العلمانية، وكأنه يدعو إلى تعويضها بمصطلح أقل عنفا. حديث أراه يساهم في طمأنة مسلمي فرنسا المرعوبين من أن تصبح فرنسا "أندلسا" ثانية أمام موجة الشحن العنصري العنيف ردا على عمليات منحرفين لا يمثلونهم.

طبعا هناك من يريد أن يختزل كل الموضوع في أن حملة المقاطعة هي التي أرعبت ماكرون وأجبرت فرنسا الاستعمارية على الخضوع صاغرة إلى ضغط الشعوب المسلمة.

ليكن…

المهم بالنسبة إلي أن كل من يسهم في تفكيك ألغام الحروب الدينية والعنصرية والاستعمارية الجديدة يخدم هذه الإنسانية التائهة.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات