كلاب حراسة السلطة

لا محالة صرت مقتنعا أن لا جدوى من نقد أي كان.. لأنك لن تجد تونسيا، وبالخصوص مؤدلجا، يغيّر رأيه أو حتى يعدّله. وإن ثبت عنده بكل أنواع الأدلة أنه مخطئ، فأقصى ما يفعله من نقد ذاتي هو أن يتزلبط ويمهمه ويقول "موش منّي.. الأعداء تسللوا إلى فكرتي أو خطتي وشوهوهما".

مع ذلك، من باب تكذيب النفس، أتمنى أن أسمع اعترافا بسيطا وواضحا ومباشرا من واحد فقط ممّن تحمّسوا للانقلاب.. واعتبروه انتصارا تاريخيا للفقراء والمهمشين في وجه الامبريالية ووكلائها من الأحزاب الليبرالية العميلة، والدينية الرجعية، وانتهازيّي السياسة.

من هؤلاء يساريّون أمضوا أعمارهم في ترديد الدرس الماركسي في تفسير حركة التاريخ.. ولكنهم في كل اختبار سياسي واقعي يثبتون أنهم نموذج للاغتراب الذي تحدث عنه ماركس، وأنهم صُنّاع عند لوبيات رأس المال. هم لا يعون، أو يعون ويستلذّون، أنهم أدوات في يد لوبيات رأس المال الذكي الذي يوظّفهم ويرعاهم وينشرهم في الإذاعات والتلفزات للثرثرة والتضليل.

للأسف.. معهم تثبت تماما فكرة بول نيزان حول كلاب حراسة السلطة. المأساة أن فيهم من يتوهمون أنهم ثوار فكر كبار.. والحال أنهم موظّفون عند أباطرة المال والإعلام وشبكات الجريمة المنظمة.

اليوم مثلا.. ينتشر رموز من اليسار في الإذاعات.. إذاعات مملوكة للوبيات بنكية واستثمارية كل أنشطتها تصبّ في رهن اقتصاد البلاد لدى شركات رأس المال المعولم. هؤلاء هتفوا للانقلاب في أيامه الأولى بوضاعة. بعد أكثر من سنة فهموا أن الانقلاب لم يكن يستهدف خصمهم الايديولوجي النهضة، بل يستهدف فكرة الديمقراطية من أساسها. وفهموا أن الانقلاب غير بعيد عن جزء من اللوبيات. وأن سعيد الذي ظنوه زعيما أمميا ليس أكثر من أداة لتخريب شروط الديمقراطية ولو في حدها الأدنى في بلد عربي.

في إذاعة عمومية هناك يساري قال في مديح سعيّد ما لم يقله هيكل المكي في حب الرئيس ولا ليلى حداد في اللغة العربية، وهو اليوم يتحسّر على فشل سعيد في تغيير بنية الاقتصاد.. يعني أنه كان يظن أن سعيّد هو توماس سانكارا أو باتريس لوممبا فعلا…

متى يعترف أمثال هذا المتمعّش من الغباء المدفوع ثمنه من أموالنا أنهم أغبياء.. ومغفلون.. وكبابط سياسة.. ومرتزقة ؟

تبا.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات