أن ينتهيَ سمير ديلو، وهو من أذكى السياسيين في تونس ومن أكثرهم مواكبةً لتحوّلات السياسة في تونس منذ عقود، إلى طرح هذا السؤال العبثي والمفتاح في نفس الوقت : "من هو مهندس كل هذا؟"، فمعنى ذلك أننا أمام حالة سياسية تونسية "غير طبيعية"!!!
من السهل أن نسارع إلى إجابة شكلانية اعتمادا على منطوق "دستور" يعطي كل الصلاحيات لشخص الرئيس! ولكن فعليا الجميع يعرف أن مسار الارتداد عن كل مكاسب الانتقال من المستحيل أن يكون من تخطيط شخص واحد مهما أوتي من عبقرية سياسية!
هذه "السيولة الاستبدادية" التي تتعمّد تضبيب المشهد، فتُنطِق الرئيس بمضامين ثورية غيفارية، وتغيّب وزراء الحكومة كليّا وتمنعهم من "الخوض في السياسة"، وتضع "الوظيفة القضائية" في وضعية رعب تجبرها على إصدار أحكام سريالية من قبيل حكم الإعدام في حق مواطن من أجل تدوينة، ومن قبيل الحكم المزري الذي صدر في حق الكبير أحمد صواب، هذه "الميوعة السياسة" صارت "نمط حكم تونسي" مبرمج.
والهدف منها هو أن يضيع "دم الديمقراطية" وتتوزع المسؤولية عن جريمة موت جوهر بن مبارك لا قدّر الله بين "أشباح سياسية" تمارس القتل عوض السياسة..!
طبعا من السهل تسمية المسؤولين "سياسيا" عن هذا الوضع واحدا واحدا، بدءا بكل من سارع، بكل جحشنة، إلى التصفيق لإسقاط الديمقراطية يوم 25، مرورا بكل من شارك في محطات البناء القاعدي الكاراكوزي، وصولا إلى كل الذين ما زالوا مستميتين في رفض العودة إلى الديمقراطية، لولا أنني على قناعة أن كل هؤلاء لا علاقة لهم فعليا بالغرفة التي تهندس هذه "السيولة الاستبدادية" الصمّاء!
ما يفعله جوهر وسط هذه "التراجيديا التونسية" هو أنه يطرق بجسده البشري الضعيف باب هذه الغرفة الصماء!
تماما كبطل تراجيدي حقيقي!
من قال أن الأساطير خيال محض؟؟!