أنا الحقيقة مستغرب فعلا من استغراب الناس من حكم الإعدام الصادر في حق مواطن بتهمة استخدام الفايسبوك لتبديل منظر الدولة!
وبعد أن أكد المحامون والقضاة أن الحكم ليس نزوة فردية أو قرارا اتخذه قاض واحد تحت تأثير ما، كالخوف أو الانضباط لتعليمات أو إثباتا مجانيا لولاء وتطوّعا لخدمة السلطة... الخ، وأنه حكم مرّ بمحطات قضائية كثيرة (دائرة جنائية وحاكم تحقيق ودائرة اتهام ثم هيئة محكمة بخمسة أعضاء.. حسب ما فهمت اليوم من شروحات قانونية شكلانية لا تعنيني) طالبت بكامل وعيها بإعدام مواطن بسيط شبه أمي واضح أنه يهوى الحديث في السياسة خلال أوقات الفراغ...، وبعد أن قرأت لقاضية شهيرة تطالب بإعادة تأهيل القضاة الأربعة وربما الخمسة الذين أصدروا حكم الإعدام، وبعد ما بدر من السلطة ما يمكن فهمه استفظاعا من جانبها لحكم لا ترى أنه يخدمها،
فأنا الحقيقة عندي تفسير، وتفسير جدّي جدا، لهذا الحكم:
منذ عقدين تقريبا تشكّلت في تونس "طبقة اجتماعية" ذات خصائص سوسيولوجية مميزة. سلسلة القضاة الثمانية تقريبا الذين ساهموا في تبلور هذا الحكم ينتمون إلى هذه الطبقة.
وهي طبقة تضمّ مئات الآلاف من خرّيجي المدرسة التونسية المنهارة منذ سنوات التسعين، من الابتدائي إلى الجامعة. مدرسة تخرّج أفواجا من "الناجحين" الفاشلين عديمي التكوين الذين لا يتوفرون على الحد الأدنى المعرفي الذي يؤهل كائنا بشريا للدرجة الأولى من التفكير المنطقي المتوازن. هذه الأفواج من الخرّيجين الكوارث مبثوثة في كل قطاعات المجتمع، ومنها القضاء طبعا.
من خصائص هذه "الطبقة" أيضا أنها نشأت مشدودة إلى نموذج أخلاقي "طرابلسي" (نسبة إلى ليلى الطرابلسي وعائلتها) قوامه: كل الطرق المؤدية إلى الثراء مباحة.. شراء الشهائد، الفوسكة، الرشوة، المصاهرات المفيدة، القوادة..الخ. لا خطوط أخلاقية حمراء أمام المصلحة الفردية.
بآختصار، مثلما أن "الزقفنة الرثة" التي تمظهرت في السياسة والإعلام عبر وجوه شبه أمية تصدّت لمهمة التنظير للانقلاب، عبر أحمد شفتر ونجيب الدزيري والبوزيدي وجراد وفاطمة وفاطمة وغيرهم من إنتاج تلك "الطبقة الاجتماعية الرثة" ، ينتمي "قضاة الإعدام" إلى نفس الطبقة.
هذا الحكم الرث لا يصدره قضاة يصدرون عن "عقل قانوني" سويّ. إنه تجلّ من تجليات "طبقة الرثاثة الاجتماعية الشاملة".
طبقة واسعة جدا يصلح البوزيدي "أليجوريا"(علامة مادية تجسّد فكرة مجرّدة.. كالحمامة والسلام) لها.
تبا.