ما هذه الدولة؟ وما هؤلاء السياسيون؟

Photo

لن نحتاج قواعد العلوم السياسية لنقف على حالة تفسّخ سياسي شامل في تونس. تفسّخت العملية السياسية منذ أن كشفت الانتخابات الأخيرة عن نتائجها الغريبة. نتائج أفرزت نتائج غير سياسية تقريبا.. قلب تونس وائتلاف الكرامة لا يمكن اعتبارهما أطرافا سياسية.. القلب مشروع استثماري فردي. والائتلاف حالة شعورية انطباعية متدينة. النهضة تعالج أعراض النهايات.. بل أنها انتهت كحزب خلال إعداد القائمات الانتخابية لتصبح مقاولة دولية تحت تصرف زعيم لا يبوح بخطته لأي كان.. والحديث عن مؤسسة شورى وتنفيذ وديمقراطية داخلية استخفاف بعقول التونسيين. التيار طفرة أخلاقوية شعاراتية تفتقد الكفاءات البشرية والسياسية لتتبلور مشروعا سياسيا فعّالا. الشعب حالة مصريّة قذافية غير قابلة للتطوّر. الفاشي مشروع حرب أهلية تصنعه عبير بوعي وبآقتدار لافت. وأخيرا المستقلون "المتحوّلون" حسب حركة البورصة.

ليس علينا أن ننسى ما حدث في البرلمان خلال تسعة أشهر.. بدءا باختيار الغنوشي أن يكون على رأس أهم مؤسسة سياسية في البلاد.. وصولا إلى حرب إقالته. ولنتذكر يوميات التفاوض المسخرة على حكومة الجملي (من جانب من اقترحه ومن فاوضه).. ثم قصة الفخفاخ التي تصلح فلما بإخراج إيطالي.

أما قصة الرئاسة والرئيس وما حدث في قرطاج مع سعيّد منذ بيضة رويحة وعمر بن الخطاب الذي حلّ في جسد الرئيس، مرورا بربات الحجال اللاتي لا تسمحن للدولة والقانون الحديث باقتحام مجالهنّ المحرّم، وصولا إلى مسار التشكيل المسرحي لحكومة المشيشي.. من تشابه أسماء وزراء وتثبيت قسري لوزير لا يريد الوزارة ولا يريده المشيشي... الخ.. فهي كوميديا سوداء لن يصدق مواطن قرطاج القرن السادس ق. م أنها ستحدث في قرطاج بعده ب26 قرنا.

حسنا...

نحن جزء من عالم يتغيّر. ينتشر فيه وباء بصدد تهديد وجود النوع الإنساني كله. وهو بصدد التأثير الفعلي والمحسوس على نمط الحياة الفردية ونمط العلاقات المجتمعية وشكل الأنظمة السياسية.

إلى جانب الوباء، عالمنا اليوم يشهد اهتزازات كبرى يتداخل فيها الفردي المتصل ب"مزاج خاص" لقادة العالم الحاليين، والموضوعي الذي تراكمت شروطه التاريخية البعيدة.

ترامب غير العادي قد لا يعترف بنتائج الانتخابات القريبة أو قد يفوز بها بنوع من العنف. إن حدث هذا سيدخل العالم مرحلة الفوضى الأمريكية والهيمنة العسكرية الروسية( بزعامة بوتين القيصر الروسي الجديد) والصينية( بزعامة شي جينبنغ الذي أدرج نظريته واسمه في الدستور) القادرة على التحول سريعا من قوة الاقتصاد إلى قوة السلاح.

فرنسا المرتبكة تعود إليها احتجاجات السترات الصفراء رغم الكورونا. احتجاج عميق على الرأسمالية التي كرست التفاوت الاجتماعي الحاد والفاحش والتدمير المنهجي للطبيعة أي للحياة. ومع ذلك يصر ماكرون الموظف الرأسمالي السطحي على الاستعراض السياسي الأجوف في العالم العربي.. لبنان والعراق وتونس قبل ذلك ودائما.

تركيا أردوغان يبدو أنها تدرك هذه التحولات الجيوسياسية الدولية ومصممة على افتكاك موقع فيها. دخولها إلى ليبيا وتونس صار معطى سياسيا واقعيا. في تونس ننقسم بين من يرى تركيا استعمارا عثمانيا عائدا ويجب محاربته بكل الوسائل ولو بالتحالف مع المستعمر الفرنسي الحداثي. وآخرون يرون في الصعود التركي فرصة لإزاحة الهيمنة الفرنسية التقليدية على تونس.

المنطق الوطني السيادي يقول بأن لا شيء يبرر الاصطفاف الأحمق مع أي نوع من الاستعمار. ولكن الجميع يدرك أن المقاومة تحتاج مقومات وقدرات لم نشرع بعد في بنائها نتيجة انقساماتنا الداخلية العنيفة والمستهترة بالأخطار التي تهدد مصيرنا.

من أجل كل ذلك، يصبح هذا التفسّخ في ملامح السياسيين التونسيين أمرا يشبه الجريمة. ومن أجل ذلك يصير التفكير في بديل وطني عاجل مهمة وطنية مصيرية.. أظن أننا نمتلك شروطها الدنيا.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات