أمريكا، زعيمة الاستعمار العالمي، تصنف الإخوان المسلمين حركة إرهابية (ترامب أعطى أمرا تنفيذيا بالشروع في ذلك وحاكم تكساس صنّفها وانتهى الأمر). وهي حركة سياسية تغطّي كل الجغرافيا الغربية وكل التاريخ العربي الحديث. وكل الحركات الإسلامية ليست إلا تنويعات عن هذه الحركة التي يمكن اختزال هويتها في الفكرة التالية: إعادة تشكيل حياة الفرد أولا ثم المجتمع ثم الدولة على ضوء تعاليم الإسلام الأولى!
هذه باختصار رؤيتها للتربية والاقتصاد والسياسة والعلاقات الدولية.
- حين نقول أمريكا نقول حتما الكيان الصهيوني النازي الإرهابي.
- ماذا تعني أمريكا بلفظ "الإرهاب" ؟
هذا اللفظ/الوصم/الحكم، فرضته أمريكا نهائيا في معجم التداول السياسي العالمي اليوم. ولم يعد من حق أي كان مراجعة مضمونه أو تعديله.. فما بالك برفضه!
بكل بساطة واختصار، أن تكون إرهابيا في نظر الإمبريالية الأمريكية المتوحشة.. هو أن تكون "إسلاميا". ولن تجد في قائمة أعداء أمريكا من تسميه إرهابيا عدا الإسلامي.
أمريكا تستعمل ذرائع أخرى لاحتلال دول أو إسقاط أنظمة، لكنها لن تتهمهم بالإرهاب! اتهمت نوريغا رئيس بنما سابقا بتجارة المخدرات واعتقلته، وتتهم الآن مادورو بنفس التهمة. وضربت حصارا طويلا على كوبا بتهمة تهديد الأمن القومي الأمريكي.. أما تهمة الإرهاب فهي مخصصة للإسلاميين فقط!
- تهمة الإرهاب استعملتها أمريكا لتدمير العراق الكبير، وأفغانستان، وتستعملها اليوم سيفا مسلطا على كل حركة يمكن أن تشكل نواة خطر على الجزء العربي من مشروعها الاستعماري العالمي!
- الاحتلال الصهيوأمريكي النازي لفلسطين صار يختزل كل معركته في "الحرب على الإرهاب الإسلامي"! ويقصد حماس والجهاد أساسا، رغم وجود حركات مقاومة حقيقية غير إسلامية مثل الجبهة الشعبية!
- يعني أن مصطلح "الإرهاب" فرضه الاستعمار الصهيوأمريكي وصما سياسيا إجرائيا نهائيا شديد الفعالية وغير قابل للمراجعة والنقاش! وصم يستهدف كل حركة تقاوم الاحتلال الصهيوني ومظلته الأمريكية.
بهذا المعنى.. كل من تصنفه أمريكا إرهابيا هو، في الأصل، أقرب إلى أن يكون وطنيا ومقاوما للاستعمار والصهيونية.. وشريفا.
- هل صدور هذا التصنيف الآن، أو التهديد به والشروع فيه.. معناه أن أمريكا كانت صديقة للإخوان خلال قرن كامل (هو عمر حركة الإخوان التي نشأت سنة 1928)، قبل أن تنتبه فجأة إلى أنهم خطر وجودي عليها وعلى الكيان النازي؟
طبعا لا.
سياسة أمريكا والغرب الاستعماري عموما مع حركة الإخوان معقدة وخبيثة ومزدوجة.. تراوحت دائما، وفي نفس الوقت، بين الاحتواء، والاختراق، وغضّ الطرف بغاية الاستدراج، والمحاصرة، والتصفية العنيفة والمتوحشة بواسطة أنظمتها العميلة.
نأتي الآن إلى السؤال الإشكالي والدقيق:
هل الاستهداف الأمريكي للإخوان يجعلهم المشروع السياسي البديل الوطني والعقلاني المطلوب لمجتمعاتنا؟
أقول بوضوح..لا.
بل لعلهم التعبيرة الأشدّ كثافة عن مأزق مجتمعاتنا وتجمّده في نقطة قديمة من التاريخ. منذ قرن ومجتمعاتنا تعيد طحن نفس الدقيق المغشوش: كيف نتقدم ونندمج في تاريخ العالم مع المحافظة على "هويتنا" القديمة؟
فلا نحن تقدّمنا، ولا اتفقنا فيما بيننا على مضمون هذه "الهوية"/ اللعنة!
والمشروع الإخواني في قلب هذا المأزق!
حتى وجهه المقاوم في غزة، ورغم نجاحه في تقديم نموذج ملحمي أسطوري في الصمود أمام آلة الاستعمار العالمي المتوحش، فقد انتهى إلى مأزق.. بل إلى مأساة!
طبعا من العبث تحميل الإخوان/حماس مسؤولية هذه النهاية. فالمشروع الاستعماري العالمي يتوفر على كل شروط الغلبة والهيمنة! ليس في منطقتنا فقط بل في كل العالم!
لكن الحقيقة الماثلة هي أن الإخوان، وكل تنويعاتهم، صاروا اليوم فزاعة جاهزة لاستباحة ما تبقى من مجالنا الجغرافي والحضاري.
المؤسف أنها فزّاعة خاوية مفرغة من أي أفق مستقبلي حقيقي!
- هل يكفي زوال الإخوان لنتجاوز هذا المأزق البائس؟
طبعا لا.
والحلّ؟
أنا أؤمن أن نخبنا الفكرية والسياسية العربية قادرة على صياغة برنامج نهوض حقيقي، يبني على الجهود العظيمة التي بلورها مركز دراسات الوحدة العربية في كتاب/ندوة "نحو مشروع حضاري نهضوي عربي" منذ سنة 2001،
وأن فشل نخبنا في تجارب الانتقال الديمقراطي بعد الثورات الأخيرة منجم دروس عملي رهيب يمكن الإفادة منه جدا،
ولكن.. من أين نبدأ ؟
.... تبا.