ما جرى في قابس ليس "حدثا سياسيا" أصلا!

هل تشبه أحداث قابس أحداث الحوض المنجمي 2008؟

ألاحظ أن كثيرا من "قدامى" السياسيين يسارعون إلى نشر قراءات رغبوية لما يحدث في قابس! قراءات كلها انطباعات وإسقاطات نفسية تؤكد حالة التيه التاريخي والقصور المنهجي لدى من يطرحون أنفسهم بدائل لحالة الرثاثة التي صنعها الانقلاب.

مثال ذلك الذين يعتبرون "أحداث المجمع الكيمياوي" نسخة مطابقة ل"أحداث الحوض المنجمي" سنة 2008. ومثلما مهّدت أحداث الحوض لسقوط نظام بن علي، يرددون بكل بلادة سياسية أن أحداث قابس تمهّد لسقوط الانقلاب!

حدثان مختلفان جذريا من حيث السياق ومن حيث الفاعلين ومن حيث طبيعة الاحتجاج. في أحداث الحوض كانت المواجهة بين نظام فردي/عائلي تآكلت شرعيته السياسية والأخلاقية بفعل فساد عائلتيْ الحكم وبفعل تراكم طويل لحالة من القهر الأمني الشامل الذي أنتج حالة كره شعبي حقيقي لكل ما يمت للنظام بصلة، وبين مجتمع أهلي مؤطّر من نخبة مجتمع سياسي (نقابيون وسياسيون معارضون) تحظى بثقة الناس وبرمزية نضالية وأخلاقية ناصعة. يعني أن حدث المواجهة حينها كان حدثا سياسيا كليّا، في حين أن طرفيْ المعادلة الآن (لا وجود لمواجهة) هما، من جهة، "كمية كبيرة من الناس" لا تجمعهم أية فكرة سياسية نقيضة للجهة التي تهدد حياتهم، بل أنهم لم يحددوا بدقة الطرف الذي يوجهون نحوه احتجاجهم (الحكومة، الرئاسة، السلط الجهوية...؟)، ومن الجهة المقابلة "فراغ سياسي تاريخي" يكاد يمحو معالم الدولة والسلطة! فالرئيس يتبنى مطالب أهالي قابس أكثر منهم، بل هو يؤمن أن المتظاهرين خرجوا تأييدا له وتنديدا بالمتآمرين!

يعني حالة سريالية مستحيل أن تخطر ببال بشر! وحكومة وسلط جهوية منزوعة الصلاحيات!

يعني لا وجه للمقارنة مع أحداث الحوض التي استعملت فيها السلطة كل أشكال القمع على امتداد ستة أشهر كاملة قتلت خلالها عددا من المتظاهرين!

وهو احتجاج من دون قيادة سياسية أو نقابية، لأن انضمام الاتحاد الجهوي للشغل والرابطة والفرع الجهوي للمحامين الى الإضراب العام لم يؤهلهم لقيادة حراك احتجاجي يرفض "تسييس" مطالبه ولا يثق في هذه المنظمات!

لذلك ظلت "أحداث قابس" مجرد احتجاج "عاطفي" شبه غريزي (الحق في بيئة طبيعية صالحة للحياة!) لم تتم ترجمته إلى مفردات سياسية دقيقة. حراك "منزوع السياسة" أي خال من أي مضمون قد يحرج السلطة! لذلك أيضا تركته السلطة كليّا، فلم تقمعه ولا حتى قامت بحمايته،(الإيقافات السابقة ليوم الإضراب العام كانت رد فعل " إداري" آلي من طرف أجهزة أمن تائهة سياسيا)، أي أنه تقريبا لم تعترف بحدوثه!

الخلاصة.. ما جرى في قابس ليس "حدثا سياسيا" أصلا! هو حدث يأخذ كل خصائص الحالة اللاتاريخية التي تمرّ بها البلاد!

لذلك.. تبا.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات