اتحاد الشغل الآن محور الجدل العام :

هل سيلتحق نهائيا بصف المعارضة "السياسية" للانقلاب بعد الخطاب الأخير للطبوبي؟ أم أن الاتحاد "لا يُرجى منه خير" لأنه من صنّاع الانقلاب، كما كان دوما عبر تاريخه جزءا من النظام ومعاديا للشعب منذ تأسيسه؟ كلا الرأيين عندي يصدران عن آلية تفكير لا تأخذ في الاعتبار "الهوية السوسيولوجية" للاتحاد.

1_ من يريد من الاتحاد أن ينضم إلى جبهة سياسية تعمل على إسقاط الانقلاب فهو يطالبه بالتحول إلى حزب سياسي راديكالي ثوري. أي أن يتخلى عن هويته النقابية/العمالية/المجتمعية. وهو تحول مستحيل.. أي ضد هوية الاتحاد السوسيولوجية، لأنه إن فعل سيغير طبيعة علاقته بقاعدته الاجتماعية ممثلة في القطاعات المهنية المتنوعة والواسعة، والأخطر أنه بذلك سيفقد المبرر القانوني لمطلبيته المهنية التي يستمد منها مبرر وجوده.

سيقول البعض أن الاتحاد لم يتوقف عن ممارسة السياسة طيلة تاريخه، ولم يقف يوما عند المطلبية النقابية. نعم هو يمارس السياسة فعلا. ولكنه يمارسها في منطقة التقاطع الحرج بين مجالين مترابطين ضمن "اقتصاد سياسي" واحد، ولكنهما مجالان وضعت بينهما الرأسمالية حدودا نهائية، وهما قوة العمل وقوة رأس المال بما فيه الدولة. هذه المنطقة مفتوحة مباشرة على السياسة، ولكنها لا تشتغل بآليات التنظيم السياسي.

2_ في المقابل، هل الاتحاد جزء من النظام السياسي تاريخيا ومن الانقلاب الحالي فعلا؟

باختصار.. هذه مصادرة شعبوية سطحية جدا مؤداها المباشر لا فقط استعداء الاتحاد، بل التخلي عن أقوى فاعل اجتماعي في البلاد. وهي مصادرة متأتية من هيمنة أحزاب أقلية على الاتحاد لأسباب تاريخية ليس هذا مجال تفصيلها.

التنظيمات السياسية المهيمنة على هياكل الاتحاد تريد فعلا توظيفه لإسناد الانقلاب الذي أنجز لصالحها مهمة شبه خيالية، وهي إزاحة النهضة من العملية السياسية بالقوة بعد أن يئست من إزاحتها انتخابيا. والاتحاد فعلا مورط في ملفات فساد ككل هياكل المجتمع بما يتيح للسلطة أدوات للضغط عليه وابتزازه ومساومته وإخضاعه، وهو ما حدث زمن بن علي لعشريتين كاملتين، قبل أن يلعب الاتحاد الدور الأكبر عبر هياكله الجهوية التي أطرت المظاهرات، ورغما عن البيروقراطية المركزية المرتهنة، في الإطاحة ببن علي.

يعني أن الاتحاد لا يفعل اجتماعيا طبق استراتيجيات الأحزاب التي تهمين على قراره المركزي، بل إن فعله الاجتماعي كتنظيم جماهيري منتشر في كل مؤسسة وفي كل مدينة، قد تقلب في أي لحظة علاقات القوة السائدة، فيتحول سلوكه المطلبي إلى سلوك "طبقة اجتماعية واحدة" في مواجهة برنامج تفقير رأسمالي ممنهج لم يعد يجتهد في التخفي مع الحكومة الحالية.

بلغة أخرى قدر الاتحاد، في لحظات لا يختارها، أن يمارس السياسة في شكلها الجذري رغم الأفراد والتيارات التي تشتغل داخله.

والسياسة الجذرية قائمة أساسا على مواجهة وجودية بين أقلية مهيمنة على السلطة والاقتصاد.. وأغلبية محكومة بالدفاع عن حقها في حياة تليق بإنسانيتها.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات