إلى أين نتجه/يتجهون بنا في تونس؟

استشراف اتجاهات الأحداث ليس ترفا فكريا. هو من صميم شروط القدرة على توجيه التحولات التاريخية طبقا لإرادة المجتمع ومصلحته. تتغير خارطة القوة في العالم والإقليم بنسق سريع وعنيف :

_ بعد الثورة مباشرة صعد لاعبان سياسيان إقليميان جديدان في تونس.. هما تركيا وقطر. شكلا حلفا سياسيا إقليميا جديدا ضاربا راهن على "رعاية" الأنظمة السياسية التي صعّدتها الثورة.. طبعا على حساب قوى الهيمنة التقليدية في المغرب العربي أي أساسا فرنسا في تونس وإيطاليا في ليبيا. تركيا كقوة عسكرية صاعدة وقطر قوة مالية استثمارية عالمية.

انقسمت السياسة عندنا بين هذين المحورين أساسا :فرنسا القديمة المتجذرة والحلف التركي القطري الجديد. السعودية والإمارات كانتا إلى حدود 2011 متحالفة مع قطر (في سوريا كانوا على نفس الموقف في اختراق الثورة السورية).. ثم انفصل المشروع الإماراتي السعودي عن القطري أساسا بسبب الصراع حول زعامة العالم العربي الإسلامي، بين العائلة المالكة السعودية التي لا تقبل المنافسة حول هذا الامتياز "الروحي" التقليدي وعائلة آل ثاني في قطر.

قبل أن تصعد عصبية عائلة بن زايد الإماراتية التي وظفت السعودية ومصر في مشروعها الخاص.. مشروع ذو خصوصيات كبيرة تحتاج تفصيلا.. خلاصته أنه تماهى/التحم ثقافيا وبشريا واستراتيحيا مع المشروع الصهيوني. (أمريكا هي "المنسق العام " لهذا المسرح المتوحش.. دون أن يعني ذلك أنها "المقرر العام" طبعا).

لنختصر : كل حلف إقليمي/دولي راهن على قوة سياسية تونسية أو أكثر. استقر في تونس خلال عشر سنوات نوع من توازن رعب بين هذه المحاور. توازن راوح بين المناورة السياسية والعنف المحسوب.. وانتهى بانقلاب استعمل فيه عنف عارٍ بأدوات تقاطع فيها المحلي المغلوب على أمره والخارجي المنتمي إلى مرحلة "العنف المعولم المحمول".

على الميدان تغيرت معادلة السنوات العشر. انصرفت تركيا نهائيا عن تونس وسلمتها، طبقا لحسابات استراتيجية دقيقة، إلى فرنسا المستعدة لكل شيء في تونس حتى لا تلقى المصير الذي لقيته في مالي وافريقيا الوسطى...

تركيا غيرت كليا خطتها الإقليمية.. تتجه إلى مصالحة شاملة مع السعودية ومصر وقبلهما الإمارات. حتى "مكتسباتها" في ليبيا تتفاوض حولها مع مصر في حدود ما تقتضيه مصالحها الغازية في البحر المتوسط وصراعها الاستراتيجي مع اليونان. ما عدا ذلك هي تراهن على الاستثمار الاقتصادي المكثف في الجزائر.. والخليج. طبعا قطر كقوة مالية غير عسكرية تغير خططها حسب توجهات الحليف المسلح.

الفاعل الروسي رئيسي وثانوي في نفس الوقت.. لكن دوره عموما لا يمنع اختزال المحصلة.

المحصلة :

تونس متروكة الآن لقوتين قاهرتين :

فرنسا الاستعمارية الجريحة الغاضبة، والتي لا تؤمن بالديمقراطية في مستعمراتها إلا ك"أداة شغل" للتمويه الشكلاني.

الدوائر المالية العالمية التي،بدورها، لا تعنيها الديمقراطية إلا كأسلوب أكثر سلاسة من الدكتاتورية العارية، في نهب ثروات الشعوب وتسخير اقتصادات الدول التابعة لاحتياجات الشركات الاحتكارية العالمية.

القوتان تتبادلان الاستعمال. والانقلاب الرث المسخ ينتمي إلى هذين القوتين. مقاومة الانقلاب وهذين القوتين معركة واحدة.. ولذلك هو واجب، وطني، وإنساني، وأخلاقي.

مقاومة هذا الاستعمار/الانقلاب يحتاج فاعلين فائقي الذكاء.. والأخلاق عندي من الذكاء.

لذلك أقول تبا.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات