في تونس، هناك جديد سياسي نوعي فعلا. ومن يصرّ على تثبيت اللحظة السياسية التونسية في الجدل الفارغ والمقيت حول الموقف من الانقلاب: من سانده في لحظته ملعون إلى الأبد، ومن عارضه في لحظته إله ديمقراطية، فهو عندي حليف موضوعي للانقلاب ومجرم في حق الشعب.
واجب كل التونسيين اليوم التقدم نحو نقطة التقاء حتمية لاستعادة ديمقراطيتهم. وكل مبادرة يتضمّن محتواها أفكارا جدية وبرنامجا سياسيا عمليا يقرّب التونسيين من استئناف الديمقراطية على أسس أصلب من تجربة الانتقال الأولى الفاشلة ثم المنقلب عليها، هي مبادرة في الاتجاه الصحيح أيا كانت سيرة صاحبها في العشرية المعقدة.
عشرية فشلنا فيها جميعا في التعامل مع "هدية الحرية" التي قدمها لنا شهداء حقيقيون خرجوا إلى الشوارع وتحدوا بدمائهم آلة قمع بن علي الذي يئس السياسيون أيامها من إمكانية إزاحته أو حتى منعه من توريث الحكم لزوجته الأمية وابنه الطفل.
هنا من المفيد أن نتذكر تفسير العظيم هشام جعيط لفشل الثورة التونسية. يوم مثّل الشعب التونسي، بنخبه السياسية وجمهوره، بطفل صغير وجد بين يديه لعبة جديدة جميلة وثمينة، اسمها "الحرية"، فطفق يرميها على الأرض ويركلها بقدميه ويستمتع بصوت ومشهد تهشّمها وتطاير قطعها.
الآن..، بعد درس الديمقراطية المخترقة من مراكز المال والسفارات والمخابرات ومن غرف الإعلام التابع لها (تم اختراق كل الأحزاب بل وتصنيع بعضها، فضلا عن اختراق الأجهزة)، وبعد درس انقلاب شعبوي رذّل الجميع وكل شيء ويوشك أن يزج بالبلاد في فوضى تحمل الجميع إلى المجهول، بعد كل هذا، من العار، باسم المبدئية والطهورية والمظلومية، أو باسم احتكار التقدمية والحداثة، أن نعدم مستقبل مجتمع كامل ونرتهنه في لحظة انقسام ايديولوجي مجرم تجاوزه الزمن.
إن لم نلتقط جميعا هذه اللحظة..، وتمترسنا في خنادقنا القديمة العفنة.. ف..
تبا.