عودة الى زيارة قيس السعيّد الى أخيه السيسي…

تردّدت في البداية على التعليق على هذه الزيارة لعدم توافر المعلومات وللصبغة المتشنجة التي طغت على العديد من ردود الافعال الاسبوع الماضي. ولما استوفت مؤسسة الرئاسة المعلومات المنشورة، تيقنت انّ امورا وجب الوقوف عندها:

1)) زيارة كثيرة الاخبار قليلة الوجاهة، ذلك انّ "الاقتصاد الجغرافي (Geoeconomics ) قد تقدّمت اهميته على "الجغراسياسة" (Geopolitics) باعتباره هدفا استراتيجيا لمناطق النفوذ الاقليمية والوسائل التي تمضي من خلالها لتأكيد مصالحها الوطنية وبقائها على المدى الطويل.

وباختزال شديد، هناك خمسة عوامل جغرافية اساسية تؤثر على آفاق التنمية الاقتصادية والتي تحدد سياسية البلاد الخارجية وهي:

(1) القرب من الاسواق الاساسية،

(2) الوصول الى التجارة البحرية،

(3) التاثيرات المناخية على اعباء المرض والصحة العامة،

(4) انتاجية الزراعة، و

(5) ثروات الموارد الطبيعية. وخاصة الطاقية. وفي هذا الصدد يمكن للعوامل الخارجية (Externalities) ان تمثل فرصة في التعاون بين دولتيْن او اقليمييْن سواءً بالتكامل (البرازيل، روسيا، الصين، الهند، جنوب افريقيا) و(تونس، ليبيا) او بالتنافس (تونس، المغرب) ان تدفع بالسياسات الخارجية نحو هذا الهدف. الا ان بين مصر وتونس، ليس من العوامل الخمسة المذكورة اعلاه من شئءٍ يُذكر.

2)) ابان سقوط المعسكر السوفييتي وخمود الحرب الباردة الاولى، اصبح العالم احادي القطب لعقديْن من الزمن، ثمّ دفع ذلك الصين وروسيا وايران والبرازيل وجنوب افريقيا الى اعادة التفكير في وضع استراتيجيات لم يعهدها الغرب، غير قائمة على آليات السوق التقليدية، بل "مركنتيلية" قائمة على القوة الناعمة لتحدي امريكا اقتصاديا…

وقد نلاحظ تراجع الاستثمار في التوسع العسكري (امريكا في افريقيا وفي وسط آسيا، تدخل الناتو عسكريا مرة واحدة في كوسوفو) ذي المردود الضئيل لفائدة التوسع الاقتصادي الذي هو عصب الديبلوماسيات الحالية والذي له شرعية الشعوب.

فالجانب الامني قد مضى عليه الزمن وأصبح وسيلة لا هدفا في حد ذاته، وتغيرت المدارس في الشأن ودُفنت الزعامات الاقليمية لفائدة زعامة راس المال. وفي هذا الصدد، عندما يعود الرئيس من زيارة مصر بخطاب أمني اجرائي بحت لا يتضمن كلمة "اقتصاد" يتيمة، فان ذلك يصبح مدعاةً للتساؤلات.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات