التيار القومي-العروبي: صراع زعاماتي تجاوزته العولمة:

نشأ حزب البعث العربي الاشتراكي كحركة قومية عربية تدعو إلى الوحدة والحرية والاشتراكية، لكنه انقسم لاحقًا إلى حزب البعث السوري وحزب البعث العراقي، ولكل منهما مسار سياسي مختلف رغم اشتراكهما في المبادئ العامة. تأسس الحزب عام 1947 في سوريا على يد ميشيل عفلق (مسيحي) وصلاح البيطار (اشتراكي ماركسي)، لكن في عام 1966 حدث انشقاق كبير أدى إلى ظهور البعث السوري والبعث العراقي ككيانين مستقلين، يدعي كل منهما الزعامة القطرية وينفي الآخر...

في سوريا، اثر انقلاب قام به عام 1970، قاد حافظ الأسد الحزب؛ انقلاب عُرف "بالحركة التصحيحية"، وتبعه بشار الأسد في الحكم، حيث اجتمع البرلمان صبيحة وفاة الأب ليُحوّر الدستور لفائدة رئاسة الابن. وأما في العراق، فقد تولى أحمد حسن البكر القيادة، ثم خلفه صدام حسين من خلال انقلاب، والذي ظل في السلطة حتى سقوط نظامه عام 2003 إثر الغزو الأمريكي.

هذا، وقد تبنى البعث السوري نظام الحزب الواحد مع تحالفات في إطار الجبهة الوطنية التقدمية، معتمداً على الأجهزة الأمنية لترسيخ سلطته، بينما اعتمد البعث العراقي على مركزية الحكم، وكان أكثر عسكرةً، خصوصًا في ظل حكم صدام حسين، حيث ركز على العشائرية داخل الحزب.

وعلى الصعيد الدولي، كان البعث السوري مقربًا من الاتحاد السوفيتي وحافظ على تحالف وثيق مع إيران بعد ثورة 1979، كما دعم المقاومة اللبنانية والفلسطينية. أما البعث العراقي، فقد كان في البداية أكثر ميلاً للغرب، خاصة خلال الحرب العراقية-الإيرانية، لكنه دخل في مواجهة مع الولايات المتحدة بعد غزو الكويت وما تبعه من حرب الخليج.

وأما فيما يتعلق بالموقف من الوحدة العربية، فقد ضل البعث السوري نموذج "الدولة القطرية القوية" بدلاً من الوحدة الفورية، مما جعله في تصادم دائم مع العراق، بينما رفع البعث العراقي شعار الوحدة العربية، لكنه أراد أن تكون بغداد مركز القيادة. فأدت هذه الخلافات إلى عداء شديد بين النظامين، وصل إلى القطيعة التامة ومحاولات الانقلاب المتبادلة، خاصة في الثمانينيات.

وفي تونس، لا يزال "التيار الشعبي" يدافع عن نظام بشار الأسد رغم التغيرات السياسية، مستندًا إلى قناعته القومية التي ترفض التدخلات الأجنبية وترى في بقاء النظام السوري ضمانًا لوحدة البلاد. كما يعارض التيارُ الإسلامَ السياسي، خاصة الإخوان المسلمين، الذين كانوا جزءًا من المعارضة السورية. إضافةً إلى ذلك، يتبنى موقفًا داعمًا للمحور الإيراني-السوري باعتباره قوة ممانعة ضد النفوذ الغربي والصهيوني، ويعزز الدعم الروسي والإيراني للأسد قناعة القوميين التونسيين بشرعيته. وبذلك، لا يزال البعض منهم يعتبر النظام السوري آخر معقل للفكر البعثي في الحكم، رغم سقوط حزب البعث العراقي.

كل هذا بمعزل عن الترتيبات المُستحدثة حول إعادة النظر في التوازنات الجغراسياسية المتمحورة حول،

(1) حاجة الراس-مال الغربي إلى فكّ الارتباط بين ايران وسوريا (تحدثنا في الأمر عبر مقالات سابقة) وإقدامه ميدانيا على بتر الامتدادات الشيعية في المنطقة وتجريدها من التسلّح (حزب الله، الحوثيون،..) بالاستعانة بتركيا والكيان، كمرحله أولى، ثم الانفراد بنظام الملالي لتفكيكه في مرحلة ثانية، ولما لا تقسيم سوريا إلى دويلات.

(2) دعم صعود جيل جديد من القادة في المنطقة، اقل ارتباطاً بالأيديولوجيات وأقل تصلبا.

(3) تأكيد فقدان التيارات البعثية والقومية عموما لحاضنة الاجتماعية ولبدائل مجتمعية تضاهي التحديات المستحدثة في الفترة اللاحقة.

أخيرا، ماذا تبقى من عصمت سيف الدولة (نظرية الثورة العربية)، ومن مذكرات صلاح بيطار وميشال عفلق، ومسعود الشابي (الفكر القومي العربي)؟

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات