"تسطيح المفاهيم (وتعويمها) يسطّحُ الوعي بالواقع…

من الصعب اعتماد طريقة احصائية دقيقة لإثبات ان "تسطيح المفاهيم (وتعويمها) يسطّحُ الوعي بالواقع. وبعض الامثلة التالية تبيّن ذلك:

- "الحرية آش عملنا بيها" وكانّ القائل فُرضت عليه الحرية ولم يستطع تفاديها. وكانّ امّه لم تلده حرّا وهو لا يعلم ان سلب الحريات هو من صنع البشر وعليه ان يستردّه لكي يستردّ انسانيته ويبنيها، ومسار توسيع نطاقها (اي الحرية) انما هو في المعنى الاقتصادي يعني في جوهره "التنمية" حسب أمارتيا سان (جائزة نوبل)؛

- "الديمًقراطية هاذي انتخابية فقط"، وكأنّ البلد لا يمر بمسار الدّمَقْرطة الذي يحتاج الى فترةٍ عُرفت في التجارب والادبيات العلمية بانها "مرحلة انتقالية" يُستكمل خلالها ترسيخ الديموقراطية، لكن تنظيم الانتخابات عبر الصناديق ضروري؛

- "الحكومة هاذي فاشلة"، "الحكومة هاذي ناجحة"، وهو "حُكم" من جانب واحد سيطر على صناعة الراي العام بدون منهجية تقييم ولا مؤشرات كمية للأداء ولا تنسيب مع طبيعة البيئة (ملائمة او دون ذلك)، اعتمادا فقط على حملات يقودها "كرونيكارات" في مقام المتخصصين تقريبا في كل الميادين ويستثمرها الخصوم السياسيون ويبكوها او ينتشي لها مواطنون، بعضهم يتذمّر من الفساد ولا يتورّع عن الارتشاء لقضاء شؤونه الخاصة، ومن اوساخ المدينة ولا يتورع عن رمي المهملات في الطريق العام، وبعض منهم يتذمّر من التدهور الاخلاقي ولا يتوانى عن استعمال الالفاظ النابية في الفضاء العام، وينحاز الى سياسيين ولا يتثبّت من مصادر معلوماته،

وفي بعض الاحيان يعلم ان الخَبر الذي يُسَوِّقه اشاعةٌ وان الصورة التي نشرها على جداره "فوتوشوب" ومع ذلك ينشرها، اي يرضى ان يكون أداةً لترويج اشاعات بالمجّان لأجندات غيره التي قد تكون تضليلية … ويحسم في تاريخ الحركة الوطنية بدون إطلاع، وفي القضايا الاقليمية بدون دراية وفي التيارات الفكرية بدون قراءة سطر واحد حول الناصرية، او البعثية او التيارات الاسلامية او الماركسية …

كل هذا بما يتضمنه من استباحة لمصطلحات معقدة في العلوم الاجتماعية والاقتصادية والقانونية والسياسية فضلا عن المستوى اللغوي الذي نلاحظه في المنابر الحوارية او في الحوارات في الفضاء العام، وبالرغم من ذلك يتشرّح الفصل (80) في قارعة الطريق وتخرج منه استنتاجات انطباعية بطبيعة الحال تحنّط الوعي العام وترصد الابواب امام الحوارات الرصينة والمفيدة ًوتضيّق مجال الخيال وتكبّل بالتالي الارادة الجماعية.

- "ما وقع كان انقلابا"، لا "تصحيحَ مسار"، لا "انقلابا على المنقلبين"، لا "انقلابا على الفساد"… وكلٌّ ينادي بليلى وليلى بالعراق مريضة. فتعومت كلمة "انقلاب"، مثلما هو الحال لمصطلح "ازمة" و"ثورة"، و "نضال"، و "مؤسسات الدولة" و"خريطة الطريق"، مثلما أفرغ من محتوى كلمة "منوال تنمية" منذ عشر سنوات الى ان اصبح البحث عن المنفعة الآنية مشتركًا "شرعيا" وبديلاً عن الاهتمام بالقضايا الاستراتيجية الدائمة التي لو تواصلت المخاطرة بها وتسطيحها فلن نتحدث لا عن تنمية ولا تشغيل ولا سيادة ولا بطيخ.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات