لا فرق بين سياسات حكومة الصيد ولا الشاهد والفخفاخ ولا المشيشي…

ليس من الضروري أن تكون أفكارنا ومبادراتنا الشخصية، كل في مجاله، حكرا لأيِّ كان، لأنّ بدون فضاء شاسع من حريّة التفكير، لا يمكن انجازُ أيّ حلٍ لأيّ اشكال وانّ نشرَ الافكار للعموم يسمح بفرصة تبيان نُقصانها ويساهمُ في الحوارات المسؤولة غير المقنّعة.

- انّ الحلول الاقتصادية القائمة على فنيات وتقنيات، أصبحت معروفةً ومتاحةً للجميع بأخطائها الفادحة وذلك بسبب جزء من الاعلام ولكن كذلك من القائمين على الشأن العام في السنوات الأخيرة الى حدّ الترسّخ لدى العامة.

مثل الذي تسأله عن التضخّم، فمن الممكن أن يقول لك "علينا برفع نسبة الفائدة"، وعن سبب تدهور المخزون من العملة الاجنبية، فالإجابة ستكون "بسبب التوريد العشوائي"، وعن العجز في الميزانية، "فذلك ناتج عن كتلة الأجور المرتفعة"، وعن سبب البطالة، فهو "انعدام النموّ" ، وعن التفاوت الجهوي، فانه بسبب قلّة المشاريع في الجهات والناتج عن ندرة التمويل.

وعن المديونية، فإنّها ولا شك ناتجة عن "استهلاك الدين وعدم توظيفه في الاستثمارات". وإذا سألته عن كيفية انخراط البنك المركزي في إدارة الازمة، فانّ الرّدَّ البفلوفي سيكون "إنّه مُستقلّ". وأخيرا، إذا تحدّثت عن الميزانية، فانّ الردّ سيكون انّها "تتضمّن نسبا عالية من الضغط الجبائي" لدافعي الضرائب في حين ان هناك المتهرّبين عن دفعها، وانّ تطور ميزانية هذه الوزارة أكثر من تلك، وفي أحسن الحالات "انّ التقديرات حول النمو ليست واقعية". كلّها آليات منطقية في ظاهرها، ولكنّها تتضمن مغالطات سكنت الخطابَ الاقتصادي السّائد.

- هذه تقريبا حصيلة عشر سنوات من غياب الحوارات المسؤولة ومن تقدّمِ غير المتخصّصين في الاقتصاد والمالية على غيرهم من الخبراء، ومن خطابات رسمية غلبت عليها السطحية وشابَها التكرارُ مهما كانت الحكومةُ، وبالتالي لا فرق بين سياسات حكومة الصيد ولا الشاهد والفخفاخ ولا المشيشي. فكلّها أخذت من كتلة الأجور حصان طروادة، ومن كلمة "إصلاحات" مصطلحًا للترويج الإعلامي ووعودا للحصول على التمويل الأجنبي، تؤثث به خطاباتها وتضيع بها وقت التونسيين.

فلا هي خفّضت من كتلة الاجور ولا هي واجهت عدم استدامة الدين، بل ولا حتى تحدّثت عنها، ولا هي قلّصت من العجز ولا هي أصلحت الصناديق ولا بطيخ. وفي نفس الوقت، لا يملّون من إعادة القصّة ذاتها بانّ الوضع صعبٌ ويحتاج تكاتف الجهود وانّ المشاريع ستنطلق يوم الزينة وعلى الناس آن يُحشروا ضُحى. فلا عرفنا كلمة "انطلاق" تعني "الإنجاز" أو "كتابة النصوص" أو "ضربة الفأس الأولى لحفر بئر عميقة".

- لكن هذا لا يبرّر البتّة الحطَّ من قيمة هؤلاء المعنوية ولا من ذواتهم في غياب ثقافة التقييم الموضوعي والمنشور للعموم حتى يختار الناسُ غيرهم في الانتخابات القادمة. فذلك ما أنتج البلدُ وعلى البلد أن ينتج أفضل منه، وقد فعل وهو يفعل.

- أخيرا، لا يمكن مجابهة مصير البلاد الاقتصادي الذي هو الان في أضعف أدائه التاريخي، الاّ :

(1) باشراك حقيقي لكل القوى الحية،

(2) بالاستغلال الاقصى لفضاء الحريات الفكرية، و

(3) بالاتفاق على الاوليّات وهي من أبسط الشروط لنجاعة السياسات المُتّخذة.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات